ترأس فلاديمير بوتين بلاده روسيا لفترتين متتاليتين بدءاً من عام2000 إلي 2004 ثم إلي 2008 ميلادية. الرئيس الشاب الذي أمضي شبابه ضابطاً مرموقاً في جهاز المخابرات السوفيتية: KGB قبل سقوط وتفتت الاتحاد السوفيتي لم يكن راضياً عن هذا السقوط ولا عن تفكك بلاده الموحدة إلي دويلات. لكنه بعد توليه رئاسة روسيا خلفاً للرئيس يلتسين فعل كل ما في استطاعته من أجل إعادة موسكو لتحتل مكانتها وهيبتها كمنافسة أولي لواشنطون التي انفردت بتربعها علي العالم بعد تفتت الاتحاد السوفيتي. حقق بوتين لبلاده الكثير سياسياً، واقتصادياً، وسعت الولاياتالمتحدة وأوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا إلي الانفتاح علي روسيا بعد انتهاء الحرب الباردة الطويلة التي فصلت بين قطبي العالم: الغرب الإمبريالي الرأسمالي، والشرق الاشتراكي الشيوعي. وهو الانفتاح الذي رحّب الرئيس الروسي به وأنتج العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي زادت من تقارب الكتلتين بعد غياب طويل. مع اقتراب نهاية فترة الرئاسة الثانية، والأخيرة، حاول أنصار بوتين داخل روسيا، وحلفاؤه خارجها، إقناعه بإجراء »تعديل دستوري« يُتوقع الموافقة الفورية عليه من الأغلبية البرلمانية يسمح له بالاستمرار لفترة رئاسية ثالثة. وذهل كثيرون من رفض بوتين هذا الاقتراح الذي وصفه أنصاره أنه ليس مجاملة لشخصه، وإنما فقط من أجل صالح روسيا وتوالي انتصاراتها وترسيخ مكانتها العالية. وسارعت الأبواق الإعلامية التابعة للحزب الحاكم الروسي في إبداء اعتراضاتها علي تمسك بوتين برفض الاستمرار في الكرملين من خلال »التعديل الدستوري« المقترح والذي يحظي كما أكد الإعلام الموجّه بترحيب وتأييد الغالبية العظمي من الشعب الروسي. رغم كل ما قيل، وكتب، وسمع.. إلا أن فلاديمير بوتين صمم علي رفضه المساس بالدستور قائلاً ذات يوم: »ليس أنا الذي يطالب بإجراء تعديل دستوري أكون أول من يحظي بتنفيذه«. أي أنه لم يكن يمانع في التمديد لحكمه مرة ومرات.. بشرط أن يأتي التعديل الدستوري ممن سبقه، وليس منه (..). البعض أعجبه آنذاك شفافية رئيس البلاد الذي تعفف عن السعي إلي نيل موافقة الأغلبية البرلمانية علي تعديل دستوري بسيط، وسهل، حتي لا يقال عنه إنه مسّ الدستور من أجل الاستمرار في منصبه. والبعض الآخر شكك في تلك الشفافية، وإن أدهشه إصراره علي رفض اقتراح الآخرين سواء من قطاعات عريضة من الشعب الروسي أو من العديد من حكومات الدول الأخري التي تفضل بقاء الرئيس الذي عرفته وتعاملت معه خلال ال 8 سنوات الماضية، وهو أفضل بالقطع من وجهة نظر تلك الحكومات من رئيس مجهول يخلفه ولا يعرف أحد ماذا يمكن أن يفعل، أو يقرر، أو يغير من سياسة بلاده ومواقفها الدولية؟! المندهشون من موقف فلاديمير بوتين الرافض التعديل الدستوري رغم ثقتهم في أنه عاشق للمنصب، وحريص علي الحكم أقنعوا أنفسهم بأن بوتين يُظهر ما لا يُبطن، وأنه آخر شخص يتخلي عن فرصة متاحة للتمديد والتجديد لفترة أو فترات رئاسية متتالية، فلابد أنه يخطط لسيناريو جهنمي لا يعرفه غيره .. آنذاك. وحاول المندهشون والحائرون تخيل العديد من السيناريوهات التي اهتدوا إليها كأناس بسطاء الفهم وفاقدي الخبث والمكر السياسيين لكن هذه السيناريوهات كلها كانت في واد.. والسيناريو الذي ابتكره، وأخفاه، فيلاديمير بوتين كان في واد آخر لم يخطر علي بال أحد منهم. .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]