رب ضارة نافعة. فقد جاءت احداث سيناء والاعتداء الاسرائيلي الذي اسفر عن خمسة شهداء، لينبهنا ذلك، وسط انشغالنا بهمومنا الداخلية، الي ان هناك من يتربص بنا وبأمننا القومي وبأرضنا وحياة ابنائنا من ضباط وجنود.. وينبهنا ايضا الي ضرورة المحافظة علي جبهتنا الداخلية قوية وصلبة ومتماسكة ومنضبطة امنيا، في مواجهة مخططات ومؤامرات تحاك ضدنا. ولا يحتاج الامر الانتظار لحين انتهاء التحقيقات التي طالبنا رسميا اسرائيل القيام بها، وبمشاركتنا فيها حتي نتبين هذه العقيدة الواضحة وهي امننا القومي وارضنا في سيناء معرضه للخطر.. فحتي لو جاءت نتيجة هذه التحقيقات لتكشف ان ان ما حدث كان خطأ غير مقصود كما يدعي بيريز وباراك، او انه لم يكن مدبرا او مخططا لاختبار ردة فعل مصر الثورة واسلوب ادارتها للعلاقات المصرية الاسرائيلية.. فان ذلك لا يلغي ما سمعناه في اسرائيل خلال الفترة الماضية عن ضعف القبضة الامنية المصرية في سيناء، وعن انتشار الارهابيين في شبه الجزيرة المصرية وذلك للتمهيد لتدخلات اسرائيلية وغير اسرائيلية في سيناء بحجة تأمينها. وهذا ما ادركه المجلس الاعلي للقوات المسلحة، وحذر الجميع منه حينما اعلن بوضوح ان امن سيناء شأن مصري خالص لاعلاقة لأجنبي به ايا كان هذا الاجنبي، اسرائيليا كان او امريكيا، مثلما روج اسرائيليون لذلك. وحتي لو كرر الاسرائيليون الاعتذار لنا عما حدث وقدموا لنا التعازي في الشهداء الذين قتلوهم بأسلحة شتي.. فذلك لا ينسينا ما يضمره الاسرائيليون تجاه منطقة عزيزة علينا حورناها بدماء ابنائنا الطاهرة، سواء من خلال السيطرة علي شريط حدودي لفترة محدودة كما روجوا لتأمين حدودهم معنا، او توطين الفلسطينيين في مساحة منها تمتد من رفح المصرية حتي العريش التي تعرضت مؤخرا لهجمات مرتبة، وذلك لاستكمال انشاء الدولة الفلسطينية. فقد تكون حسبة الاسرائيليين الان هي احتواء سريع للازمة التي ثارت مؤخرا مع مصر، استنادا الي تقارير استخباراتية رصدت حجم ومدي الغضب الشعبي المصري تجاههم، والذي عبر عن نفسه في فرحة عارمة لنجاح شاب مصري في نزع العلم الاسرائيلي من اعلي المبني الذي توجد فيه السفارة الاسرائيلية بالقاهرة.. او ربما تحت الحاح امريكي، لعدم صرف الانتباه عما يحدث داخل سوريا، حتي لا تتأخر الاطاحة بنظام بشار الاسد.. الا ان الموقف الاسرائيلي الرامي الي سرعة احتواء الازمة مع مصر لا يعدو سوي تراجع تكتيكي فرضته الظروف والمعطيات العملية الحالية علي الارض.. اما المواقف الاستراتيجية العدائية تجاه مصر فهي لم تتغير، ولا تسترها مثل هذه التراجعات التكتيكية، وهو ما افصحت عنه زعيمة المعارضة وسيدة الموساد السابقة ليفني حينما قالت ان الحدود مع مصر لم تعد حدود سلام!.. وهذا تعبير ينطق بأمور ومعان كثيرة وخطيرة، ابسطها نية او رغبة اسرائيلية في عدم احترام معاهدة مارس 9791، وهذا ما دفع المجلس الاعلي للقوات المسلحة لان يعلن ان احترام هذه المعاهدة ليس مقصورا علينا في مصر فقط، وانما علي اسرائيل ايضا.. وابسط مظاهر هذه الاحترام هو عدم الاعتداء علينا من الارض او الجو وقتل ابناء لنا. ولعل هذا يفرض علينا واجبات عاجلة لامجال للتلكؤ في تنفيذها تحت اية مبررات. علينا الاسراع اولا بانهاء كل مشاكل اهل سيناء.. وهي مشاكل باتت معروفة وسأم اهل سيناء بالمطالبة بها سنوات وسنوات.. انها مشاكل تراكمت نتيجة التعامل الامني الفظ والعنيف مع ابنائها وشيخوخها وقبائلها.. ومشاكل العمل لشبابها الذين يزاحمهم اهل الوادي في فرص العمل الموجود في ارضهم.. وايضا مشاكل تمليك وتخصيص الاراضي لأهلها الذين يرون ان الحكومة تضن عليهم بها في الوقت الذي تفرط في تقديمها بأسعار مخفضة لبعض المستثمرين. وعلينا ايضا الاصرار علي تعديل ملحق اتفاقية كامب ديفيد او ما تسمي بالمعاهدة المصرية الاسرائيلية لزيادة عدد جنودنا في كل مناطق سيناء وليس في المنطقة »ج« فقط، خاصة بعد ان تبين ان نقص هذه القوات لا يوفر لها الحماية الكافية ويضمن الامن لها. ويرتبط بذلك الاسراع بفرض سيطرة الدولة وهيبتها علي سيناء، وعدم السماح بأي تشكيلات عسكرية تحت اي مبررات، مثل تطبيق الاحكام القبلية. وعلينا كذلك التوصل الي تفاهمات امنية مع حكومة غزة الحالية ثم الحكومة الفلسطينية التي ستشكل مستقبلا بخصوص تأمين حدودنا مع غزة، واغلاق الانفاق السرية، خاصة بعد الفتح المستمر لمعبر رفح. لكن قبل ذلك كله علينا واجب التكاتف والتآزز والتلاحم والوحدة.. وادارة التنافس والصراع السياسي الدائر الان بأسلوب مختلف.. اسلوب يضمن عدم تحويل هذا الصراع الي اقتتال ونشوب فتنة تعصف بوحدتنا وتقضي علي تآلفنا، ومنح الفرصة لمن يدبرون المؤامرات ضدنا. لا احد يقول بمصادرة الخلاف السياسي، او تأميم الصراع السياسي، او فرض التوافق فرضا علينا جميعا.. لاننا ننشد ديمقراطية تقوم علي التعددية والتنافس السياسي الحر بين اصحاب الرؤي والافكار والبرامج المختلفة والمتنوعة.. انما كل ما نقول به هو ان ندير صراعنا السياسي بقواعد تضمن ان يكون سلميا بعيدا عن التخوين والتكفير، وبدون استبعاد او اقصاء احد.. لنحافظ علي وحدتنا في ظل التعددية واختلاف الرؤي.