إسرائيل تعلم أن أي فعل عدواني تجاه مصر لاتنطبق عليه نظرية نيوتن .. فرد الفعل لن يكون مساوياً في المقدار حگومة إسرائيل تريد من هذا الحادث وما قد يتلوه أن يگون اختباراً لما تتصور أنه »حالة ضعف مصرية« رأسي يكاد ينفجر شظايا من الغيظ. فؤادي يحترق، لهيب الغضب يرعي في قلبي، حسرة علي دماء شهدائنا الخمسة التي أريقت برصاصات صهيونية، ليلحقوا بآلاف سبقوهم، جادوا بأرواحهم دفاعا عن أرض سيناء وتحريراً لترابها. الرغبة في الثأر، تنشب أنيابها في صدري وتنهش. لا تكفيني كل دماء الجنود الصهاينة، عوضاً عن قطرة دم مصرية واحدة سالت. عقلي يميل إلي تصديق أن شهداءنا وجرحانا سقطوا عرضاً، في حادث غير مقصود، وأن المقصودين برصاصات طائرات الهليكوبتر ورشاشات القوات الصهيونية، كانوا مجموعة يشتبه في أنها نفذت حادث ايلات الذي وقع في وقت سابق من يوم الخميس الماضي، غير أن الرصاص طاش أثناء التراشق بالنار، فطال الضباط والجنود المصريين علي الجانب الآخر من الحدود عند العلامة »97«. يميل عقلي إلي تصديق أن إسرائيل لا تريد التصعيد العسكري مع مصر، لأنها تعلم علم اليقين أن أي فعل عدواني تجاه مصر تحديداً لا تنطبق عليه نظرية نيوتن، فقد يكون رد الفعل مضاداً في الاتجاه، لكنه أبدا لن يكون مساويا في المقدار! لكن قلبي لا يطاوع عقلي، ولا يأنس لنوايا إسرائيل، لا أمس ولا اليوم ولا غداً، ولا يأمن لها من طرف قلمي إلي سطح ورقتي. ولقد تعودت أن أذهب إلي حيث يذهب قلبي، فقلب المؤمن بوطنه دليله! نتساهل في التقدير، لو ظننا أن حادث العلامة »97« بافتراض أنه غير متعمد، لا يصب في خانة مصلحة الحكومة الإسرائيلية التي تداعت شعبيتها لأسباب اجتماعية داخلية، وأيضا لو اعتقدنا أنه لن يغري حكومة نتنياهو بارتكاب حوادث أخري متعمدة إذا قوبل الحادث بنفس ردود أفعال النظام السابق. ونتعسف في الحكم، لو فصلنا بين حادث العلامة »97« وما سبقه من أحداث جرت في أعقاب قيام ثورة 52 يناير، منها رعاية مصر للمصالحة بين فتح وحماس والتي توجت في بواكير أيام الثورة بتوقيع اتفاق بين الحركتين، ثم الموقف المصري من معبر رفح، ثم دعم مصر لتوجه السلطة الفلسطينية إلي مجلس الأمن سعيا للحصول علي اعتراف أممي بدولة فلسطين، وكل هذه القرارات لم تجر علي هوي الحكومة الإسرائيلية، وما كانت مصر لتتخذها في ظل النظام السابق. ونخطيء في الاستدلال، لو انتزعنا هذا الحادث الإجرامي من سياق منطقي متصل، ينطلق من معلومات مؤكدة بوجود مخطط إسرائيلي أمريكي معزز بالخرائط لحل المشكلة الفلسطينية علي حساب الأرض المصرية من رفح إلي العريش ويستند إلي مؤشرات علي وجود أياد إسرائيلية وراء عمليات زعزعة الاستقرار في شمال سيناء، ويمتد إلي تسريبات حول نوايا إسرائيلية في إنشاء منطقة أمنية عازلة بعمق 7 كيلو مترات علي طول الحدود داخل الأرض المصرية، بدعوي حماية الأمن الإسرائيلي من اختراقات الجماعات المسلحة، وبادعاء أن مصر غير قادرة علي تأمين الحدود، وكأن القوات المصرية هي شرطي حراسة للدولة الصهيونية! نرتكب خطأ تاريخياً فادحاً، لو استبعدنا أن إسرائيل تري أن هذا التوقيت هو الأنسب لتدشين مخططاتها.. ظنا منها أن الوضع الداخلي المصري بعد قيام الثورة في حالة سيولة، واعتقاداً بأن الجيش المصري منشغل بالانغماس في شئون إدارة البلاد، عن مهمته الرئيسية وهي الدفاع والردع ورد العدوان، وسعيا منها لاقتياد مصر الثورة بعيداً عن تحقيق أهدافها، اقتناعاً بأن تحول مصر إلي دولة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان وتوفر حياة كريمة لشعبها وتهييء المناخ الصحيح لاطلاق إبداعات أبنائها، هو أكبر خطر يهدد أطماع إسرائيل. أقول إن حكومة إسرائيل تريد من هذا الحادث وما قد يتلوه، أن يكون اختباراً لما تتصور أنه »حالة ضعف مصرية«، لو صحت فإنها فرصة سانحة لإسرائيل للشروع في تنفيذ مخططاتها، ربما لا تتوافر فيما بعد. والسؤال.. ما العمل؟! في رأيي المتواضع أن ثمة اجراءات وخطوات متلازمة ومتتالية، لابد من القيام بها سواء علي مستوي الشعب في مجمله، أو النخب الفكرية والسياسية، أو حكومة الثورة أو المجلس الأعلي للقوات المسلحة. هذا أوان التماسك بين كل فئات الشعب وقواه السياسية. هذا أوان تغليب المصلحة العليا للوطن علي المصالح الحزبية أو الذاتية الضيقة. هذا أوان الاصطفاف خلف الجيش المصري وقيادته لدرء المخاطر وردع العدو وإفساد مخططاته وإحباط أطماعه. من ثم لا يجب السماح بأي مسعي للوقيعة بين الشعب وجيشه، وهذه مسئولية كل القوي والحركات الثورية وهذا دور الإعلام المصري من صحافة وقنوات تليفزيونية وطنية خاصة أو رسمية. لم يعد مقبولاً التراشق بين القوي السياسية بمليونيات استعراض القوة، أو الانسياق وراء دعاوي تبدد طاقات الشعب وتستنزف اقتصاده الوطني وتغرق بين تياراته وأحزابه، في وقت نحن أحوج ما نكون إلي التوحد لمواجهة التهديدات التي تحيق بأمننا الوطني. لابد من الاسراع بإتمام مراحل العملية السياسية وتحديد جدولها الزمني دون ابطاء، ليتسني للمجلس الأعلي للقوات المسلحة أن ينقل سلطات الحكم إلي البرلمان الجديد والرئيس المنتخب في أقرب وقت، حتي يعود الجيش إلي ثكناته، وينصرف تركيز قادة القوات المسلحة الذين حموا الثورة وأيدوا مطالب الشعب، إلي مهمتهم المقدسة والرئيسية دون سواها، وهي الدفاع عن أمن الوطن وسلامة أراضيه. لحين انتهاء المرحلة الانتقالية، يتعين علي حكومة الثورة أن تمارس صلاحياتها كاملة، وألا تحمل المجلس العسكري بأمور هي في صميم اختصاصاتها. مع الوضع في الاعتبار ضرورة التنسيق الكامل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية مع المجلس العسكري وعدم اتخاذ قرارات في هذا الشأن أو الإعلان عنها بدون هذا التنسيق. أبسط تعريف للأمن القومي في العلوم الاستراتيجية أنه مرادف التنمية. بمعني أن الطريق لحماية الأمن القومي المصري في سيناء يمر عبر تنميتها. واعتقادي أن مشروع تنمية سيناء لابد أن يحتل قمة الأولويات لدي الحكومة الانتقالية، ومن بعدها الحكومة البرلمانية والرئيس الجديد، وأن ينظر إليه بوصفه المشروع القومي لثورة يناير، مثلما كان السد العالي هو مشروع ثورة يوليو. وهناك أفكار عديدة طرحها الخبراء لتنفيذ هذا المشروع، ولعلي أضيف إليها اقتراحاً بتشكيل كتائب خدمة وطنية من فائض الوعاء التجنيدي للقوات المسلحة، تستثمر طاقات الشباب في مشروعات الزراعة والتصنيع والتسويق وإنشاء تجمعات عمرانية تعتبر حائط صد تتحطم عليه أي مخططات تستهدف النيل من سلامة الأراضي المصرية. التحديات والاخطار والتهديدات التي نتعرض لها في هذه المنطقة المضطربة، تؤكد أن الاستمرار في تحديث قواتنا المسلحة ضرورة لا غني عنها لحماية أراضي واجواء وسواحل الوطن، وتأمين مصالحه الحيوية، وردع كل من يفكر في أن ينال من ترابنا أو مصالحنا أو أمننا الوطني. لذا لابد من توفير كل الامكانات لقواتنا المسلحة للاحتفاظ بقدراتها القتالية وتطويرها لتظل قادرة علي الردع والدفاع ودحر العدوان. أما عن ردود الأفعال المحتملة تجاه الحادث لمنع تكراره وإظهار صلابة سلطة الحكم المصرية في مواجهة اختبارات الضعف أو القوة من جانب إسرائيل، فإن كل الخيارات الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية لابد من دراستها، بدءاً من تقليص حجم البعثات الدبلوماسية واعادة النظر في تصدير الغاز والبترول لإسرائيل، فليس من المعقول أن يكون وقود الطائرات والدبابات الإسرائيلية مصرياً، علي أن نتجنب الانجراف وراء انفعالات عصبية، تؤدي بنا إلي اتخاذ قرارات متعجلة غير مدروسة تزيد التوتر وتؤجج التصعيد، وتنزلق بنا إلي فخ أو كمين يشعل المنطقة برمتها ويقوض مقدرات الوطن. نحن إزاء أصعب اختبار لمصر الثورة، وظني أننا قادرون علي اجتيازه بنجاح وإثبات قوة وتماسك جبهتنا الداخلية ووحدة الشعب والجيش في مواجهة أي مخاطر.