اتفقت القوي السياسية والتيارات المختلفة علي الخروج في مظاهرة مليونية يوم الجمعة الماضي 29 يوليو بهدف توحيد الصف وإعادة روح الثورة المصرية .وبالفعل خرجت ائتلافات الثورة المختلفة والإخوان المسلمون والحركة السلفية لرفع شعار واحد هو "ارفع رأسك .. انت مصري". ولكن ما حدث في ذلك اليوم جاء خلاف ما توقعه الكثيرون فقد انشق السلفيون واختاروا رفع شعار ديني هو "ارفع رأسك .. انت مسلم" وهو ما يكرس الانشقاق والاختلاف وتفتيت الكتلة الشعبية الضخمة التي كان من المفترض أن تضم كل فئات الشعب الفقير والغني .. المسلم والمسيحي .. الإخواني والليبرالي .. السلفي والثوري .. ونتيجة لهذا شهدت المليونية انسحاب تيارات كثيرة اعتراضاً علي الخروج عن الهدف الواحد الذي يعكس وحدة الصف. وقال د.محمد حبيب القيادي بجماعة الإخوان المسلمين فوجئنا بشعار " إرفع رأسك فوق أنت مسلم" من قبل التيار السلفي ، بينما كان الهتاف يوم النصر في 11 فبراير 2011 "إرفع رأسك فوق أنت مصري"، وهو الشعار الذي لابد من الحفاظ عليه وتأكيده. كذلك كشف حسن الصياد منسق حركة شباب 25 يناير أن الإعتصام كان بهدف توصيل صوتهم إلي المجلس العسكري عندما شعروا بالتباطؤ في بعض الأوقات، وقرر إئتلاف شباب الثورة - بكل ما يضمه من الأطراف السياسية - أن يعلق الإعتصام ويعطي المجلس العسكري فرصة كي يضبط الوضع الحالي، وأعلن أنهم سيمهلون المجلس العسكري وقتاً لضبط الأمور المعلقة وقدر الشباب هذه المهلة بنحو أسبوع أو 10 أيام علي الأكثر. كما أشار إلي أن بعض التحفظات علي ما حدث من رفع شعارات دينية من قبل البعض في الجمعة التي كانت من المفترض أنها ل"توحيد الصف"، وعبر عن رفض الحركة للشعارات الدينية التي تخرج فصيلا معينا من الكتلة الثورية الواحدة. وما حدث ليس في صالح الثورة ولا في صالح مصر لأن تفتيت الصف يضعنا في دوامة من الخلافات والاختلافات ولا يؤدي بنا إلي رؤية واحدة تستهدف تحقيق أهداف الثورة وهي الديمقراطية والعدالة الإجتماعية. فلا يمكن أن ننسي أن المسلم والمسيحي وقفا في الميدان يداً بيد وعلي قلب رجل واحد ولم يكن هناك أي اختلاف في الهدف ولا الموقف وهذا ما جعل الثورة تنجح وتطيح بالنظام السابق ورموزه. والآن علينا أن نكمل الطريق وأن نعيد بناء مصر بأيدي المصريين جميعاً لا بأيدي فصيل سياسي واحد ، لذلك أري أن السلفيين قد أخطأوا عندما تحولوا عن الهدف وحادوا عن الطريق وهذا ما رأيناه يتجلي في اللافتات التي رفعها البعض في الميدان يوم الجمعة الماضي مكتوباً عليها "وربنا أنا كمان مسلم" ، وشعارات أخري تقول ارفع رأسك .. انت مصري في إشارة واضحة إلي رفض جموع المتظاهرين للشعارات الدينية. كان صوت الإخوان المسلمين هو صوت العقل عندما انسحبوا من المظاهرة مؤكدين أن مصر فوق الجميع وهذا ما نحتاج إلي تأكيده وتكراره.لذلك أري أن انسحاب العديد من الائتلافات والجماعات والحركات من المظاهرة المليونية يوم الجمعة الماضي هو علامة علي النضج السياسي الذي تجلي في الإصرار علي أن مصر أولاً وثانياً وثالثاً هي الهدف الرئيسي الذي قامت من أجله ثورة 25 يناير والذي تتابع تلك الحركات والتيارات المسيرات والمظاهرات حتي تتحقق أهدافها جميعاً. علي كل حال أري كل هذا إيجابياً لأن الثورة تصحح مسارها بنفسها وتقوم أداءها الشعبي وهذا ما رأيناه في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي.