بدأت في الحلقة السابقة من هذا الحديث محاولة تأصيل ما يجري في ميدان التحرير والخطر الذي يمكن ان ينتج عن الفوضي التي تمر بها البلاد الآن وقد بدأت في تأصيل هذا الكلام بالعودة إلي الماضي فهو مرتبط ارتباطا شديدا بما يحدث الآن قلت إن الحروب الصليبية لم يكن سببها الدين وقلت ان البابا دعا إليها للتخلص من النبلاء الذين كانوا قد بدأوا السطو علي أملاك الكنيسة ولخدمة بعض الملوك في التخلص من النبلاء المشاكسين. انطلق البابا أوربان يتجول في أوروبا يبكي علي المسيح ويبكي علي المسيحية ويدشن الاعلام الموسومة بالصليب الأحمر ويبارك الوحوش التي بدأت الانطلاق إلي الشرق.. وانطلق كل القساوسة يجوبون الطرقات يبيعون صكوك الغفران لمن يريد ان يدخل الجنة من بوابة القدس وهي الصكوك التي كثرت بعد ذلك ورخصت حتي أصبح ثمن الصك دجاجة أو زجاجة نبيذ، الصراع إذن بين الشرق والغرب لم يكن صراعا دينيا وهو الآن ليس كذلك.. إنه صراع بين حضارتين حضارة الاسلام بما جاءت به من المساواة بين الناس.. العدالة الاجتماعية.. تحديد الدور المشرق للمرأة- المواريث وعدالة توزيعها.. منع الخمر.. الالتزام بالكثير من المبادئ التي تتناقض تماما مع ما جاءت به الحضارة الغربية وما تقوم عليه.. هو صراع إذن بين فكرين وبين نظريتين وبين حضارتين وشن الحرب علي الشرق جاء في هذا السياق وهو الآن لا يخرج عن هذا السياق ولدينا مثال فعندما خلعت تركيا الطربوش ولبست القبعة وعندما بدأت تتبع أسلوب الغرب في السلوك والتفكير والحياة اليومية أصبحت حبيبة الغرب.. الصراع إذن هو صراع حضاري بالاساس كان كذلك وسيظل كذلك.. سيطر الغرب علي الشرق.. وبدأت الفرنسة في شمال افريقيا وبعض دول الشام والسلوك الانجليزي في مصر وعدد من الدول الأخري في المنطقة وظهر عدو جديد.. جاءت الشيوعية.. والشيوعية ليس لها دين ولكنها كانت بصدد إنشاء حضارة تقوم علي قيم مخالفة وسلوك مخالف ديكتاتورية البلوريتاريا.. القضاء علي الطبقات.. توزيع الثروة إلي آخر المنظومة وبنفس الأسلوب بدأت الحرب واستمرت وإذا كانت الحرب علي الشرق قد تسترت وراء شعار الصليب.. فإن الحرب علي الاتحاد السوفيتي تسترت وراء الحرب علي الإلحاد علي الرغم من التباين الواضح وضوح الشمس فالحرب علي الشرق الاوسط - كما اعلنوا- هي حرب علي الدين الاسلامي والحرب علي الاتحاد السوفيتي - كما اعلنوا ايضا- هي حرب علي الإلحاد.. والواقع ان الدافع الرئيسي لهذه الحرب هو حرب علي الحضارة.. علي قيم وثوابت وأساسيات تخالف تماما القيم والثوابت والأساسيات التي يقوم عليها الغرب ويقوم عليها مجتمع الولاياتالمتحدةالأمريكية. الحرب بين الرأسمالية والشيوعية كانت حربا ضارية أخذت أكثر من شكل واستخدمت أكثر من سلاح لدرجة ان الغرب لم يجد غضاضه في أن يستعين بأعداء الأمس حاشدا العالم الاسلامي مستخدما شعار الحرب علي الإلحاد.. وبدأت الحرب الباردة وبدأ تكديس الأسلحة النووية ولم يجد الغرب حرجا في تسليح الإسلاميين في أفغانستان للتصدي للدبابات الروسية.. وخرج الروس من افغانستان وانحسر المد الشيوعي من الشرق الاسلامي وتفتت الاتحاد السوفيتي وتبخر.. وأفاق الغرب من جديد علي مد إسلامي بدأ يزحف واتجه من جديد للعدو القديم وهو الساحة الاسلامية أو الحضارة الاسلامية وألبس هذه الحرب الجديدة رداء جديدا لم يرفع راية الصليب الأحمر فهو يعلم انها سوف تستفز قطاعا كبيرا جدا لم يعد اليوم مقصورا علي مسلمي الشرق الاوسط وانما امتدت الساحة لتضم إيران ودولا في آسيا ورفع الغرب ومعه اليوم أمريكا شعارا جديدا هو الحرب علي الارهاب وأصبح اعداء الماضي البعيد واصدقاء الماضي القريب هم أعداء اليوم وتجددت الحرب التي بدأت في الاندلس بأسلوب حديث وبأسلحة متطورة وبإعلام يستخدم احدث التقنيات للتواصل وبدولارات تجد جاذبية لاتقاوم لدي شرائح عريضة تعيش في ظل العوز والحرمان. طوال الخمسين عاما الماضية التي شهدت جزءا من الحرب الباردة وشهدت الحرب التي اسموها الحرب علي الإرهاب.. كمنت الفصائل الشيوعية القديمة.. بعضها اختفي تحت الأرض والآخرون لبسوا اكثر من قناع.. اشتراكيون تارة علمانيون تارة.. يسار ناصري تارة.. ديمقواطيون تارة.. ليبراليون تارة.. أقنعة وشعارات ولافتات وجاءت ثورة 52 يناير وسقطت الأقنعة وبدأ تشكيل الائتلافات وللحديث بقية. ولله الأمر