نتمني التوفيق للدكتور نبيل العربي في موقعه الجديد أمينا للجامعة العربية، وإن كنا ندرك أن المهمة صعبة والظروف التي تمر بها الدول العربية في غاية الدقة، والاجماع الرائع علي اختياره لن يكون كذلك حول البرامج والسياسات!! ولاشك أن الرأي العام في مصر كان يتمني أن يظل العربي في موقعه الوزاري علي رأس الدبلوماسية المصرية لفترة أطول، حتي يستطيع استكمال ما بدأه من عملية الاصلاح الشامل التي كانت وزارة الخارجية في أشد الحاجة إليها بعدما أصابها في السنوات الأخيرة بسبب انحسار الدور المصري وتخبط السياسة الخارجية ورهن مصر كلها من أجل تمرير »التوريث« حتي ولو كان الثمن أن يخضع النظام السابق لاملاءات أمريكا أو أن تعتبره اسرائيل »كنزا استراتيجيا« لها!! وخلال الشهور القليلة التي أمضاها »العربي« في موقعه الوزاري، استطاع أن يعكس وجه الثورة في سياسة مصر الخارجية، وأن يقدم الصورة التي افتقدناها طويلا لمصر صاحبة الإرادة المستقلة والمكانة الدولية، والتي تتحمل بكل المسئولية دورها التاريخي في عالمها العربي، وتعيد نسج علاقاتها الوثيقة بافريقيا وبالعالم الإسلامي. وبقدر ما أثارت رسائل التغيير في سياسة مصر الخارجية قلق الأعداء، بقدر ما طمأنت شعب مصر وهو يري دبلوماسية بلاده تتحرك في كل المجالات لتحقيق مصلحة الوطن.. من دول حوض النيل إلي ايران وتركيا، ومن انهاء الحصار علي غزة إلي تحقيق المصالحة الفلسطينية، ومن الانفتاح علي العالم كله إلي نزع »القدسية«!! المزعومة للمعاهدة مع اسرائيل، واخضاعها للتقييم والمراجعة علي ضوء المصلحة الوطنية وحدها. والآن.. والرجل يترك موقعه الوزاري إلي أمانة الجامعة العربية، فإن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن ما حدث من تطورات في سياسة مصر الخارجية لم يكن مجرد »اجتهاد شخصي« من الوزير السابق، بل هو سياسة عامة كانت دائما تحكم تحرك مصر الخارجي حين تملك قرارها المستقل وإرادتها الحرة، فتستعيد دورها في المنطقة ومكانتها في العالم، وتكون سياستها الخارجية من صنعها وحدها، ولصالحها وصالح الأمة العربية فقط. ومن هنا يكون المطلوب من الوزير الجديد محمد العرابي هو استكمال المسيرة التي بدأها العربي في وضع أسس سياسة مصر الخارجية بعد الثورة. والوزير الجديد دبلوماسي قدير ولكن المهمة تقتضي أيضا رؤية شاملة وقدرة علي صنع السياسات. كما تقتضي أيضا أن نمنحه الفرصة، بعيدا عن الاتهامات الجوفاء مثل تلك التي تدين الرجل لأنه عمل سابقا في سفارتنا في إسرائيل، وكأن كل دبلوماسي مصري يذهب ليؤدي واجبه في أصعب الظروف ووسط الأعداء.. هو موضع اتهام في وطنيته!! أمامنا طريق واضح لسياسة خارجية تعكس روح الثورة، وتستعيد لمصر دورها ومكانتها. ومهمتنا الأساسية أن نحرس الطريق من المتآمرين في الداخل والخارج.. وما أكثرهم!!