توهمت للحظات أننى من أولياء الله الصالحين، وأن أبواب السماء كانت مفتوحة لى على مصراعيها عندما طالبت الأسبوع الماضى بسحب ترشيح د. مصطفى الفقى لمنصب الأمين العام للجامعة العربية، وطرح د. نبيل العربى وزير الخارجية بدلاً منه؛ لأنه يحظى بقبول وتوافق كل الدول عليه.. فلم تمض 48 ساعة، على ما كتبت، حتى اختارت كل الدول العربية بالإجماع “العربى” أميناً عاماً للجامعة بعد سحب قطر لمرشحها الدبلوماسى المخضرم عبدالرحمن العطية.. وقال وزراء الخارجية العرب فى نبيل العربى شعراً يرقى لقصائد الغزل..! وجاء الأمر مفاجئاً للجميع، حتى للعربى نفسه الذى لم يجد ما يقوله تعليقاً على الاختيار معترفاً، ببساطة، أنه فوجئ ولم يستعد لمثل هذه المناسبة..!! وعلى الرغم من أنه من الطبيعى أن يقيم المصريون فى مثل هذه المناسبات الأفراح والليالى الملاح احتفالاً بثقة العالم العربى فى مصر فيها وفى دورها على الصعيدين الإقليمى والدولى؛ لكننى فوجئت بأن المصريين بدلاً من ذلك أقاموا مناحة، وجنازة شبعوا فيها لطماً، على الإنترنت، فقد جاءت كل تعليقاتهم بلا استثناء لتؤكد أن هناك مؤامرة صهيونية أمريكية قطرية محبوكة بمباركة عربية، لإبعاد العربى عن وزارة الخارجية؛ لأنه من ناحية يكره إسرائيل، ويطالب بإعادة النظر فى اتفاقية كامب ديفيد، وهو أيضاً أو وزير خارجية مصرى يغازل إيران العدو اللدود لدول الخليج..!! وقالوا ضمن ما قالوا إن العربى حقق للسياسة الخارجية المصرية فى 3 شهور مالم تحققه الدبلوماسية المصرية فى 30 سنة.. نعم فى 30 سنة..!! وأبدى شباب الفيس بوك خيبة أملهم فى الحكومة المصرية التى «بلعت الطُعم وتنازلت عن وزير خارجيتها»، مطالبين باعتذار مصر عن قبول ترشيح العربى أميناً للجامعة العربية، ليستمر وزيراً للخارجية، فلن تخسر الجامعة شيئاً بعدم وجود العربى، لأنها، هكذا قالوا، مجرد «كوفى شوب» لا يحتاج لأكثر من جرسون، ولا يهم من يقوم بهذا الدور.. مصرى.. أو غير مصرى..!! وانتقد البعض إصرار مصر على أن يكون منصب الأمين العام للجامعة العربية لها، ساخرين من أنه على الرغم من أن ثورة 25 يناير كان هدفها القضاء على توريث مبارك الحُكم لابنه جمال، إلا أن المصريين يكرسون فكرة التوريث بإصرارهم على توريث منصب الأمين العام للجامعة العربية للمصريين فقط دون غيرهم..!! ونكتفى بهذا القدر من التعليقات التى لا أول لها ولا آخر، والتى تدور كلها حول حلقة مفرغة واحدة، وهى أن ما حدث مؤامرة صهيونية لإبعاد العربى عن وزارة الخارجية، وتهميش دور مصر فى محيطها العربى والإقليمى والدولى.. وعلى الرغم من اعترافى بأننى من أشد أنصار نظرية المؤامرة وأننى أشك فى كل شىء حتى فى أصابع يدى، إلا أننى أرى أن شباب الفيس بوك «زودوها حبتين»..! فالأمر من وجهة نظرى لا يخضع أبداً لنظرية المؤامرة، فتصوير ما حدث فى هذا الإطار، هو إهانة لمصر وللعرب.. وللعربى نفسه.. فمن ناحية لا يمكن أن نصم إخواننا العرب بأنهم متآمرون، ولا يجب أن نصم الحكومة المصرية بأنها غافلة وابتلعت الطُعم الذى قدمته لها قطر والصهيونية وأمريكا.. فسحب قطر لمرشحها العطية، وهو بالمناسبة دبلوماسى مخضرم محترم أدار بحنكة شئون مجلس التعاون الخليجى عندما كان أميناً عاماً له، هى خطوة شجاعة تعبر عن تقدير قطر لدور مصر العربى والإقليمى.. وهى خطوة تحسب لقطر لا عليها.. كما أن الإجماع العربى على اختيار المرشح المصرى يصب فى نفس الخانة.. خانة التقدير العربى لدور مصر، والذى يتمنى الجميع أن يعود أقوى مما كان.. وليتكم جميعاً كنتم معى عندما كنت أجلس بجانب السيد خالد مشعل وهو يتحدث عن أمل العرب بصفة عامة والفلسطينيين بصفة خاصة فى عودة الروح للدور المصرى؛ لأنه لا غنى عنه لخدمة قضايا الأمة العربية، ولأن فى قوة مصر قوة للأمة العربية كلها.. والذين أصابتهم خيبة الأمل بسبب ترك نبيل العربى لوزارة الخارجية ينسون أن مصر ولاّدة.. وأن مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة خرَّجت الكثير من الوطنيين النجباء والذين لا يقلون كفاءة ولا وطنية عن الدكتور نبيل العربى.. ولا شك أن اختيار نبيل العربى فى هذا التوقيت البالغ الدقة فى حياة الأمة العربية قد يكون فاتحة خير لإعادة ترتيب البيت العربى، وبداية عهد جديد من العلاقات العربية لتقوم على التكامل والبناء والعمل من أجل صالح الشعوب العربية، وطى صفحة الخلافات العربية العربية، والتى أعاقت كل مشاريع التكامل العربى طوال أكثر من نصف قرن.. ولا يجب أن نغفل أن هناك روحاً جديدة تتشكل الآن فى محيطنا العربى، وأن ربيع الثورات قد يخلق كياناً عربياً جديداً تكون فيه الكلمة الأولى والأخيرة للشعوب.. وهو ما قد ينعكس إيجاباً على إصلاح الجامعة العربية وإعادة صياغة دورها، وإضفاء المزيد من الفاعلية على دور أمينها العام القومى حتى النخاع.. نبيل العربى.