رحلة القراءة بدأت، لكن لا نهاية لها ولو خيرت بين الكتب وأي شيء آخر لاخترت الكتب، بل في حياتي الآخرة أتمني أن تصحبني كتبي وكتب أخري تكلمت سابقاً عن رحلتي في عالم الصحافة في بداياتها. وكانت قراءتي مجموعة »دنيا الله» لنجيب محفوظ بداية جديدة لنضج في مجال القراءة أكبر من السابق وأعتبر أنني بقراءتي تلك المجموعة دخلت دنيا نجيب محفوظ، فالجريدة سيارة نتابع فيها الأحداث وينتهي الغرض منها بمرور وقت زمني ما، أما الكتاب والأدب فالحياة لهما أطول وأكثر أثرا. كنت قد عدت مسرعا إلي عم مرسي بائع الكتب الذي وضعني علي أول طريق القراءة الأدبية بمجموعة دنيا الله. فرح الرجل لفرحتي بالكتاب وكأن فرحتي كانت انتصارا لوجهة نظره وحرص علي أن يعطيني بعض ما لديه من القصص فأعطاني حكايات حارتنا والحرافيش. لقد ولجت إلي عالم آخر بخلاف عالم مجلات الأطفال والصبية. عالم نجيب محفوظ الذي عزلني عن واقعي السابق وأشعرني أنني صرت كبيرا، بلغت عمرا أكبر ونضجت أكثر، وتغير منهجي في القراءة وتحولت إلي باحث عن الكتب الأدبية ولم أعد أقتصر علي أعمال نجيب محفوظ، بل التهمت كل ما وقع تحت يدي وكنت كمن يكتشف هذا العالم الجديد فقرأت الغث والسمين من الكتب. وفي عمري ذاك لفت انتباهي كاتب لامع هو حسين القباني وكان له مؤلفات خفيفة من القصص القصيرة وفي نفس الوقت كان يترجم أعمالا لكتاب كبار ومنها » القوزاق» للكاتب الروسي العظيم تولوستوي صاحب الحرب والسلام وآنا كارنينا وغيرها من الروائع الأدبية. كما استمتعت بقراءة أعمال كاتب كبير لم ينل حقه في الشهرة وهو محمود البدوي. وفي عمري ذاك قرأت كل ما كان موجودا وقتها من القصص البوليسية، مؤلفات أجاثا كريستي، هتشكوك، شرلوك هولمز، وأرسين لوبين، كما قرأت قصص الجاسوسية والحكايات المخابراتية. وانطلقت لقراءات أخري لعميد الفكر والأدب العربي طه حسين وأنيس منصور وإحسان عبد القدوس ومصطفي محمود وغيرهم من أعلام الفكر والأدب. رحلة القراءة بدأت، لكن لا نهاية لها ولو خيرت بين الكتب وأي شيء آخر لاخترت الكتب، بل في حياتي الآخرة أتمني أن تصحبني كتبي وكتب أخري لكي أواصل القراءة والمعرفة. مراسل تحت التمرين بجانب القراءة والبحث عن الكتب، بدأت مراسلة مجلات تان تان وسمير وغيرهما، ونشرت لي هذه المجلات أعمالا اعتبرتها وقتها فتحا صحفيا أو أدبيا كبيرا، ولما أنظر إليها الآن أجدها خواطر صبي كان يعتقد أنه سيغير العالم بآرائه وكتاباته. ونشر لي بعض المجلات صورا وأخري أهدتني جوائز علي قصص قصيرة كتبتها، وهكذا انغمست في عالم الكتابة والصحافة والذي كان للقراءة الفضل في دخولي مجالهما. وبدأت التفكير في المستقبل، ولم يكن في عقلي وقلبي مهنة غير تلك المهنة » النداهة » وهي مهنة الكتابة والتي تحمل اسما آخر وهو الصحافة. وتلبستني الصحافة وكنت أحلم بكل ما له علاقة بها وأذكر بعض المواقف التي تدل علي ما أتذكره في هذا الشأن. كان يسكن بجوارنا في شبرا عمي عبد الحي وكان صديقا لوالدي وهو يعمل في مجلة آخر ساعة رئيسا للأرشيف الرياضي. كنت أشعر بسعادة عندما ألتقي صدفة بعمي عبد الحي النازل من سيارة مكتوب عليها أخبار اليوم ويحمل تحت إبطه مجموعة صحف. كنت أشعر أنه كائن يختلف عنا لأنه يرتبط بعمل صحفي، وعندما مرض ذات مرة جاء لزيارته الناقد الرياضي المشهور أحمد علام » جهينة » ومعه عدد من صحفيي المجلة وحزنت لأنني لم أكن موجودا لكي أراهم وأجلس في صحبتهم، فالمؤكد أنهم كائنات غيرنا ! وكان لي قريب يملك مطعما في الفيوم وكثيرا ما دعاني لزيارته في مطعمه ولم أكن متحمسا للسفر وزيارته، وذات يوم قال لي إن أحد زبائن المطعم الدائمين هو الصحفي عيد أبو القاسم مراسل جريدة الجمهورية في الفيوم. وعلي الفور كنت في الفيوم منتظرا عيد أبو القاسم الذي جاء في وقت الغروب مرتديا جلبابا بعدما انتهي من عمله في مكتب الجريدة والتقيت بالرجل وكنت أشعر وكأنني التقيت مخلوقا فضائيا، فهو صحفي، أي يختلف عنا. زيارة الأهرام وفي عام 1976 احتفلت مؤسسة الأهرام العريقة بمرور مائة عام علي صدور الجريدة العملاقة وفي تلك المناسبة فتحت الأهرام أبوابها للزوار وكانت مناسبة مذهلة بالنسبة لي وأمضيت اليوم كاملا في مبني الأهرام متجولا لكي أري ما هي الصحافة. ومن أهم ما أذكره هنا هو رؤيتي » العقل الإلكتروني ».. وهو ما نسميه الآن الكمبيوتر وكنا لا نعرف وقتها غير كلمة العقل الإلكتروني، وكان يحتل مساحة كبيرة وربما طابقا كاملا في الأهرام وبالطبع لو قيمناه بما نعرفه الآن لوجدناه بدائيا ولكن وقتها كان أحد ثلاثة أجهزة من نوعه في مصر وكان عبارة عن مجموعة كبيرة من » الدواليب » بداخلها اسطوانات مخرمة ولم يكن بالطبع وجد » الويندوز » ولذلك كان استخدامه مقصورا علي خبراء. كان وجوده في الأهرام سبقا لها عن كل الصحف الأخري، بل ومؤسسات الدولة الأخري. كانت زيارتي للأهرام تدشينا لدخولي عالم الصحافة، فها أنا واحد منهم، تلك الكائنات العجيبة التي نطلق عليها لقب » صحفيين ». وركزت في قراءاتي ودراستي علي هدفي الذي شغل عقلي وقلبي وهو العمل بالصحافة. توسعت في القراءة فدخل حياتي كتاب جدد وصحف جديدة ووجهت قراءاتي لتعميق فهمي لهذا العالم الذي يحوي العجائب فهو عالم إبداء الآراء وتعلم الأفكار وسلطة التوجيه ومحاسبة السلطات وإنصاف المظلوم والإطلاع علي العالم واكتشافه ونسج العلاقات وأمور أخري شغفت بها في مهنتنا الجميلة. ونواصل الحديث عن ذكرياتي في عالم الصحافة في يوميات قادمة. معرض الكتاب لا أكتفي بزيارة واحدة لمعرض الكتاب فأنا ممن يترددون علي المعرض للشراء ومتابعة الجديد وأشعر بأن هذا المعرض مناسبة ثقافية مجتمعية راقية يجب أن نحرص عليها وأن نرعاها. بدأت علاقتي بالمعرض منذ دورته السابعة أي منذ 42 عاما وكان من قبل يقام في أرض المعارض التي حل محلها الآن دار الأوبرا بمنطقة الجزيرة. تغيرت أحوال المعرض ويفترض بما أنه يحمل اسم القاهرة العريقة واسم مصر الأعرق أن يتغير إلي الأفضل، لكن للأسف يتغير المعرض إلي الأسوأ وتتدهور أحواله عاما بعد عام للدرجة التي صرت أكره فيها مكان وأجنحة العرض والعشوائية التي يصل إتقان عشوائيتها إلي درجة الاعتقاد أنها عشوائية مقصودة فهي تشبه لوحة سيريالية تكعيبية دادية عباسية !!!!! المعروف أن السلطات الحكومية ترغب في نقل المعارض إلي العاصمة الإدارية ولها في ذلك أكثر من غرض ومن هذه الأغراض الاستفادة من مساحة وموقع أرض المعارض الحالية وبيعها أو البناء عليها بمليارات الجنيهات وربما تستولي أيضا علي أرض مستشفي الأمراض العقلية المجاورة لأرض المعارض. طبعا نحن لا نجادل ولا نناقش !!! وإنما حتي يحين أجل هذه الأرض أليس من الممكن أن يكون المعرض لائقا بمصر ؟ ألا يمكن تنظيفه وتهذيب طرقاته ووضع الإرشادات اللازمة للزوار ؟ ألا يمكن طبع خريطة للمعرض توضح أماكن سراي العرض ولا أعرف لماذا تسمي سراي وهي كلمة تركية ودور النشر التي بداخل كل جناح وموقعه للتسهيل علي الزوار ؟. ألا يمكن تسهيل الدخول والخروج بشكل يحقق راحة الزوار ويحقق الأمن في نفس الوقت ؟. هل يصعب علي دولة مثل مصر أن تنظم معرضا متميزا للكتب وهي سلعة نظيفة لا ينتج عنها مخلفات ويكون معرضها مشرفا بين بلدان العالم ؟. تقوم الدولة بدور مهم في خفض أسعار الكتب وهذا يحدث بالفعل وأشهد لوزارة الثقافة خاصة في عهد الصديق والزميل المحترم حلمي النمنم الذي حرص علي خفض سعر الكتب وتوفير عناوين عديدة من طبعات لكتب كان سعرها أعلي بكثير من أسعار الهيئة العامة للكتاب أو مركز الترجمة أو المجلس الأعلي للثقافة أو هيئة قصور الثقافة، وخفض أسعار هيئات وزارة الثقافة أدي إلي إقبال شديد علي شراء الكتب من هذه الجهات والتي تقدم أيضا خفضا للطلبة وهيئات التدريس بالجامعات وللصحفيين وهو أمر مطلوب لأن هذه الفئات من أكثر الفئات إقبالا علي القراءة وشراء الكتب. لذلك يجب إيجاد حلول لمشكلة انخفاض سعر الجنيه مقابل سعر الدولار وهو ما أدي إلي ارتفاع مذهل في أسعار الكتب الواردة من الخارج. خسارة كبيرة أن نهمل معرض الكتاب في سوق كبيرة للقراءة وللبيع والشراء. يجب أن ندعم مهنة النشر لا بالمال ولكن بحسن التنظيم وتقديم التسهيلات لكي ينخفض سعر الكتاب ونصبح أمة قارئة. استغاثة لتنفيذ حكم قضائي نشرت صحيفة كبيرة في صفحتها الأولي استغاثة موجهة لوزير الداخلية تناشده تنفيذ أحكام قضائية. لفت انتباهي نشر الإعلان الذي يكلف صاحبه عشرات من آلاف الجنيهات وهو أمر لم يكن يقدم عليه لولا أن وجد الأبواب مغلقة لتنفيذ حكم قضائي ! لم يكن المحامي وكيل صاحب الشأن ليلجأ لمثل هذه الاستغاثة والمناشدة لولا نفاد كل السبل التي تكفل تنفيذ حكم قضائي. وهو أمر يجب أن تتحسب له السلطات، فالصوت عالٍ يعلن أن مصر دولة قانون، فكيف يكون ذلك بينما يلجأ المواطنون لنشر استغاثات في الصحف لتنفيذ حكم قضائي وليس تطبيق القانون فحسب ؟ ! علي الجانب الآخر تنشر الصحف أيضا مساحات كبيرة لمواطنين عادت إليهم مسروقاتهم، تشكر فيها جهود وزارة الداخلية وتبدأ قصيدة الشكر من وزير الداخلية وتصل إلي النقيب معاون المباحث وكلهم شاركوا في استرداد المسروقات وبالطبع الصياغة الصحفية التقليدية والركيكة تتضمن جهود الوزير وتوجيهات مدير الأمن وخطط مدير المباحث وتحريات مفتش المباحث وجولات ضباط المباحث !!! وكأن الشرطة تقوم بدورها مجاملة لضحايا السرقة. اللافت أن من ينشرون تلك الإعلانات لشكر الداخلية من أصحاب محلات المجوهرات أو شركات السيارات.. إلخ.. ماذا لو مواطن بسيط سرقت أشياؤه، فهل يمكنه أن يشكر الداخلية أو يستغيث لأنها لم تعد أشياءه ؟. قديما استنكر قاض ( قصة رمزية ) أن يمدحه أحد واستنكر أن يقوِّم أحد دور القاضي، فمن يملك المدح يملك الذم في حالة ما لم يعجبه حكم القضاء، وهنا أقول إن نشر الاستغاثات يعني يأس المواطن من تنفيذ حكم القضاء كما أن نشر الشكر للداخلية والشرطة أمر لا يليق بهذا الجهاز الوطني الذي كلفه الدستور والقانون بحفظ الأمن والنظام في البلاد. يقول قيس بن الملوح : فإن ذُكرت لبني هششت لذكرها كما هش للثدي الدرور وليد