مميزات إنشاء المجلس الوطني للتعليم.. خبير تربوي يجيب    تفاصيل التحول إلى الدعم النقدي    التموين تنتهي من صرف مقررات أكتوبر بنسبة تتجاوز 85%    مجلس النواب يُقر منحتين ب 11 مليون يورو بين مصر والاتحاد الأوروبي    إعادة تنظيم ضوابط توريق الحقوق المالية الناشئة عن مزاولة التمويل غير المصرفي    ‫ ماكرون .. سر التغيير    مراسلة القاهرة الإخبارية: اعتداءات بالجملة على المزارعين الفلسطينيين    ميلان ضد كلوب بروج.. عودة لياو وثيو للتشكيل الأساسى فى دوري أبطال أوروبا    تدريبات بدنية خاصة للاعبي الزمالك قبل مواجهة الأهلي    29 أكتوبر.. نظر استئناف المتهمين في واقعة سحر مؤمن زكريا على حكم حبسهم 3 سنوات    التشكيل الرسمي لمواجهة ميلان وكلوب بروج في دوري أبطال أوروبا    الترجي يعلن رحيل ميجيل كاردوزو وتكليف إسكندر القصري مديرا فنيا مؤقتا    لدفع الدية.. ننفرد بصور شيكات فتوح لأسرة ضحية الساحل الشمالي بعد الصلح    فيلم اهتزازات من غزة يفوز بجائزة الأفلام القصيرة بمهرجان لندن    طلاق جوري بكر للمرة الثانية بعد احتفالها بعيد ميلادها.. ما القصة؟    زينة تحتفل بعيد ميلاد شقيقتها ياسمين وتعلق: «بنتي الأولى» (فيديو)    أمين الفتوى: النية الصادقة تفتح أبواب الرحمة والبركة في الأبناء    أمين الفتوى: لكل من يقلق على أبنائه عليه بهذا الأمر|    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة إلى محافظة السويس تحت مظلة حياة كريمة    متحدث الصحة: ثبت كذب ادعاء مروجة فيديو فساد التطعيمات وتحويلها للتحقيق    التنمية المحلية: مشروع حياة كريمة يستهدف تقليص الفجوة بين الريف والحضر    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    صفة ملابس الإحرام للرجل والمرأة.. تعرف عليها    محافظ أسوان يتفقد مشروع إنشاء قصر الثقافة الجديد في أبو سمبل    إعلام الاحتلال: نتنياهو وبلينكن يعقدان اجتماعا لا يزال مستمرا منذ ساعتين    محافظ كفرالشيخ: تشغيل المخابز على مستوى المحافظة من الساعة ال5 صباحًا يوميًا    الطب الشرعي يفجر مفاجأة في اتهام موظف مدرسة إعدادي بالتح.رش بالطالبات    صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 42 مسيرة روسية خلال الليلة الماضية    وزيرا الشباب والتعليم يبحثان التعاون الاستراتيجي في إطار مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان المصري"    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    ظل كلوب يخيم على مواجهة ليفربول ولايبزيج    جارديان: بريطانيا تواجه فجوة مالية هائلة قد تدفع الحكومة لقرارات صعبة    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    طلب إحاطة لإعادة صياغة إجراءات خطة الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    إسرائيل تعلن القبض على أعضاء شبكة تجسس تعمل لصالح إيران    للوقوف على جاهزيتها.. جولات تفقدية على وحدة إسعاف مستشفى الحميات بالإسماعيلية    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 22-10-2024 بمحافظة الدقهلية    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد: رمضان غريب فى المدن فهو ابن الريف والقرى
نشر في الأهرام العربي يوم 24 - 06 - 2017


عرفت الشيخ الطيب قبل أن يصبح شيخا للأ زهر

كتبت «الحرب فى بر مصر» فى رمضان وأحداثها تدور فى الشهر الكريم

لست مستريحا لما يقوم به البعض من الهجوم على الأزهر أو شيخه

يحدث فى مصر الآن «وماذا يحدث فى مصر « عنوانان لروايتين من أهم روايات الروائى الكبير وعضو مجلس النواب يوسف القعيد، تلك الروايتان مهما دارت الأحداث ومرت عجلة الزمان تظلان صالحتين لكل مكان وزمان، أضف إلى ذلك العديد من الروايات والقصص القصيرة التى كتبها والتى كانت تحمل فى طياتها إلهم الإنسانى ومعاناة الإنسان المصرى، يوسف القعيد ابن قرية الضهرية إحدى قرى محافظة البحيرة، تلك القرية التى أثرت فى تكوينه بشكل جلى، اليوم وبعد تخطيه عامه السبعين أصبح يتحسر على ضياع معالم القرية المصرية عند كل زيارة له لقريته، لدرجة أنه يهمس فى نفسه قائلا « القرية تكتب وصيتها الأخيرة ».
هو ليس مجرد روائى عادى بل هو أحد تلاميذ نجيب محفوظ، اقترب من عالمه وتعلم منه الكثير والكثير، خالط وعاشر كبار كتاب مصر ومثقفيها أمثال الراحلين محمد حسنين هيكل وعبد الرحمن الأبنودى وفاروق شوشة وجمال الغيطانى، صديقه الصدوق الذى حزن كثيرا لفراقه، فهم جميعا تلاميذ صاحب نوبل، جمعتهم الأماكن والحكايات المثيرة والتفوا حوله، لكن لكل منهم نفسه الخاص فى الكتابة. .«الأهرام العربى» قررت أن تبحر فى عالم يوسف القعيد وتغوص فى أعماقه لنتعرف على رأيه فى الكثير من القضايا المثيرة والشائكة.
فى البداية اليوم وبعد توليك عضوية مجلس النواب بلجنة الثقافة والإعلام والآثار، ما الجديد الذى طرأ على شخصية الروائى يوسف القعيد؟
لم أتول عضوية لجنة الثقافة والإعلام والآثار فى مجلس النواب، فهو ليس منصبا توليته، ولا عمل أقوم به مقابل أجر لكنه رسالة، عينت فى مجلس النواب ضمن ال 28 عضواً المعينين بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسى، وشعرت بالامتنان له شخصياً بسبب هذا القرار.
وإن كنت لم أعبر عن هذا الاهتمام، لأنه لم تكن هناك فرصة، وعضوية لجنة الإعلام والثقافة تالية لعضوية المجلس نفسه، وما زلت مأخوذاً بالتجربة، صحيح أنه ربما مر عام عليها، لكنها انعطافة مهمة جداً فى حياتى الإنسانية والإبداعية، وأرجو أن تصدقينى وأن يصدقنى القراء أننى ما زلت مأخوذا أو مخطوفا فى هذا التجربة التى لم أتوقعها ولم أدخلها فى حساباتى ولم أسع إليها.
عملك فى مجلس النواب هل أثر على حياتك الإبداعية؟
طبعاً أثر كثيراً بالسلب علىَّ سواء على قراءاتى أم كتاباتى أم نمط حياتى العام، فأنا منذ أن تركت العمل اليومى الصحفى واكتفيت بأن أكون كاتباً صحفياً فى بعض الصحف وكان ذلك سنة 2000، كنت متفرغاً تماماً للقراءة والكتابة وتأمل أحوال الدنيا، أصبح بيتى قلعتى وعصمتى وملاذى الأساسى، فيه أفعل كل شىء، ومنه أتابع كل ما يجرى فى بلادى وأضع يدى على نبض قلبها ووجدانها كل صباح ومساء، لكن جاء التعيين فى مجلس النواب الذى اعتبرت أن جزءاً منه رسالة لدور جديد يمكن أن أؤديه، وأرجو أن أنجح فى تأديته.
باعتبار الإعلام جزءاً من اختصاصك فى العمل النيابى فى رأيك كيف تتحسن المنظومة الاعلامية وكيف يستعيد دوره؟
الإعلام كلمة كبيرة وواسعة ومطاطة، فهو يبدأ من الجريدة اليومية الورقية، حيث تعاملى الذى أحبه، وأعجب به، لكنه يصل للتليفزيون والراديو، وأضيف له أيضاً فى سنواتنا الأخيرة الواقع الافتراضى أو الإنترنت، وأنا لا أتعامل معه إلا بعد طباعة ما يرد عليه من كتابات، لكنها دنيا جديدة مختلفة ومغايرة لما تعودنا عليه فى حياتنا. فى شبابى كانت الجريدة الورقية أو المجلة الورقية هى كل شىء، لكن هذا ينتمى لمسلمات الماضى البعيد الذى لم يعد له وجود، وكل جديد به حلاوة الجديد، لكنه يولد لدينا «لخبطة» التعامل مع الجديد.
عندما هل علينا الراديو حدثت نفس اللخبطة، وعندما جاء التليفزيون جرت فوضى. ثم عندما فاجأنا الإنترنت لم نعرف كيف نتصرف معه، هذا المناخ من عدم التصديق وربما عدم الفهم والاستيعاب يتولد لدى الناس عند كل جديد، لكن مع مرور الوقت ومرور الزمان يفعل بالإنسان الأعاجيب والغرائب، أعتقد سنصل لصيغة ما فى التعامل معه وتطويعه وتحويله إلى جزء من حياتنا اليومية.
هل ترى أن نقابة الإعلاميين تحت التأسيس سيكون لها دور فاعل فى ضبط تلك المنظومة؟
أنت قلتِ فى السؤال إنها تحت التأسيس، وأنا لا أعتقد أن النقابة من المفترض أن يكون لها دور فى تنظيم المهنة، النقابة فى الدنيا كلها كما عرفنا مع دخول النقابات إلى بلادنا، ترعى شئون أعضائها الإنسانية وقيامهم بمهنتهم، لكن قواعد المهنة وطريقة تنظيمها لا أعتقد أنها يمكن للنقابة أن تلعب دوراً فيها، فتنظيم المهنة له هيئة وطنية خاصة بالإعلام يرأسها الإعلامى حسين زين، وهى المنوط بها تنظيم المهنة والعودة بها إلى أصولها الأولى والمواءمة بين ثوابت المهنة ومتغيرات الحياة اليومية. أما النقابة فيكفيها أن ترعى شئون أعضائها وتنظم قيامهم بأعمالهم، وأعتقد أن هذا الذى قد تقوم به نقابة الإعلاميين بعد أن تستقر أمورها، وقد لاحظت من خلال وجودى فى مجلس النواب أن حمدى الكنيسى لعب دوراً جوهرياً فى تأسيس هذه النقابة وخروجها إلى حيز الوجود، من مجرد حلم قديم راود الإعلاميين سنوات طويلة، والدولة المصرية تعاملت مع النقابة كحقيقة بمجرد إقرار قانونها فى مجلس النواب، لكن ما زال ينتظرها الكثير.
روايتك «يحدث فى مصر الآن» تحت هذا العنوان لو طلبنا اليوم من الكاتب يوسف القعيد أن يكتب عن مصر ماذا يكتب؟
من السهل طرح السؤال، لكن الصعوبة تكمن فى الإجابة عنه، فما يحدث فى مصر الآن مترامى الأطراف وضخم وغير عادى، وقد ذكرتنى بهذه الرواية التى تدور حول زيارة الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون لمصر سنة 1974، وها نحن فى انتظار زيارة الرئيس الجديد دونالد ترامب لمصر خلال 2017، 43 سنة مرت على الحدث الأول، وها هو يتكرر بعد كل هذه السنوات، ولا أدرى ماذا سيفعل الشعب المصرى ولا كيف سيتصرف دونالد ترامب عندما يأتى لمصر، وهل سيستفيد من تجربة الأمس أم لا، ولا حتى كيف سيستقبله الشعب المصرى عندما يصل إلى مصر، السؤال يؤرقنى كثيراً لأننى توقفت أمامه قبل 43 عاماً وأثمرت الوقفة رواية:»يحدث فى مصر الآن» التى حولها المخرج منير راضى لفيلم: زيارة السيد الرئيس. لكن دعينا ننتظر حتى يصل ترامب إلى مصر، لأن صورة أمريكا فى العقل الجمعى المصرى والموقف منها ومن الرئيس الجديد مسألة تستحق منا أن نتأملها وأن نتوقف أمامها وأن نحاول أن نستنبطها أدبياً أو فنياً.
منذ خمس سنوات احتفلت دار الهلال بعيد ميلادك السبعين فى صحبة أصدقائك الأعزاء جمال الغيطانى ومحمد حسنين هيكل اللذين رحلا عن عالمنا، بالإضافة إلى سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودى وفاروق شوشة ماذا تشعر اليوم بفراق هؤلاء؟
قبل الكلام عن فراق الأحبة لابد من الكلام عن الزميل غالى محمد، رئيس مجلس إدارة دار الهلال، ورئيس تحرير مجلة المصور وزملائه الذين فكروا فى هذه الاحتفالية وأقاموها، لقد مست شغاف قلبى، وأعادت لىَّ التفكير فى بعض ما تبقى ومن تبقى من القيم الجميلة والمصرية الأصيلة، وكانت حدثاً غير مسبوق، لكن لم تلحق به أحداث أخرى مماثلة، وعدت يومها إلى بيتى وأنا أقول لنفسى: لن يبقى إلا كل ما هو أصيل، برغم كل محاولات إهالة على ما تمثله لنا الأشياء الجميلة فى الحياة.
جاء الأستاذ محمد حسنين هيكل للاحتفالية، برغم ارتباطاته ورغبته فى عدم الظهور كثيراً وقتها. وقد قال لى إنه لم يذهب لدار الهلال منذ سنوات بعيدة. لكنه كان حريصاً على المجئ، وعلى البقاء أكبر فترة ممكنة، وكان معى جمال الغيطانى قبل الاحتفالية وخلال الاحتفالية وبعدها، وبعد الاحتفالية دعتنا الصديقة الناقدة الأدبية الدكتورة أمانى فؤاد ومعى الدكتور صلاح فضل للقاء فى أحد مطاعم الزمالك. كان يوماً جميلاً.
يخيل إلىَّ أننى عشت أكثر مما ينبغى، لأن السنوات الأخيرة أخذت من رموز مصر ونجومها وصناع بهجتها والمعبرين عن أحزانها أخذت الكثيرين، لدرجة أننى أسأل نفسى: كم يكتب على الإنسان أن يقطع الخطوات الباقية من خطوات العمر وحده وبمفرده، وحيداً حتى الإحساس بالوحدة القاتلة، لكنه قدرى، علىَّ أن أتعامل معه، فكل خطوة تذكر الإنسان براحل وكل همسة تذكره بمن لم يكمل الدرب ولا يكمل المشوار. ولكن ماذا أفعل سوى الاستمرار الذى لا يعد استمراراً، هل هى سنة الحياة؟ أم عذاب أن يستمر الإنسان وحيداً بعد رحيل الأحبة؟ وبعد أن لوحوا جميعاً تلويحات الوداع لى وللوطن ولحياتهم ولإبداعاتهم الجميلة.
لكل واحد منهم مواقف إنسانية وطريفة جمعت بينكم ما هى، وكيف تأثرت بفراقهم، خصوصا وأنتم جميعا تلاميذ نجيب محفوظ؟
لن يصدقنى أحد عندما أقول إننى حتى الآن لا أتصوررحيل هيكل ومحفوظ والغيطانى والأبنودى، ويخيل إلىَّ أحياناً أن تليفونى سيرن وأرد فأكتشف على الناحية الأخرى الأستاذ هيكل أو جمال الغيطانى أو عبد الرحمن الأبنودى، فنجيب محفوظ لم يكن يستخدم التليفونات إلا فى أضيق الحدود لا الأرضية ولا الموبايلات، وأنا يمكن أن أتذكر مكالمتين أو ثلاثا وربما أربعا جرت بينى وبين نجيب محفوظ. وعند حدود الضرورة القصوى، ولكل مكالمة حكاية، فقد كان التواصل الإنسانى المباشر عنده أهم بكثير من الاتصالات التليفونية بسبب مشكلة سمعه وطبيعة جيله، فأعتقد أن نجيب محفوظ قضى مراهقته وشبابه وجزءاً كبيراً من حياته دون أن نكون عرفنا التليفونات وما تدخله على الناس من متغيرات.
يحل علينا الشهر الفضيل وطبعا للطفولة ذكريات تظل عالقة فى المخيلة ذكرياتك فى رمضان فى قرية الضهرية؟
قال الشاعر: يا بدر أنت ابن القرى. وأراك فى ليل المدائن إن بدوت غريبا، وأنا أستبدل كلمة يا بدر بكلمة رمضان. فأنا أعتقد أن رمضان هو ابن القرى، هو شهر القرية، هو شهر حياة الريف، وأشعر أنه فى ليل المدائن إن بدا لنا فهو غريب. برغم أن رمضان فى سيدنا الحسين وفى خان الخليلى له إيقاع لا يمكن أن يحدث فى أى مكان آخر من بر مصر، ولا فى قريتى، لكن مذاق رمضان يبقى مذاق القرية. وحكايات رمضان هى حكايات رمضان القرية وليس رمضان المدينة أبداً.
ما الروايات التى كتبتها فى هذاالشهر الكريم؟
لن أقول لك إن لرمضان مكانة كبرى فى رواياتى، لأننا نظرنا إلى رمضان على أنه مناسبة، ونظرنا أيضاً لكتابة المناسبات على أنها لا يبقى منها شىء، بعد أن تنتهى المناسبة، لكن فى رمضان كانت القراءة أكثر من الكتابة، وربما كانت هناك قراءات رمضانية، وتحركات رمضانية مثل زيارات سيدنا الحسين أو السفر لقريتى، لكنى أذكر من رواياتى الرمضانية بمعنى أننى كتبتها فى رمضان، رواياتى التى تدور حول الحرب مع العدو الإسرائيلى عندما كنت مجنداً فى القوات المسلحة، ولعل أشهر الروايات هى رواية: الحرب فى بر مصر. التى حولها المنتج الجميل والإنسان العذب النادر حسين القلا لفيلم: المواطن مصرى. وكان آخر فيلم يخرجه صلاح أبو سيف قبل رحيله عن الدنيا. وفى الفيلم مشاهد رمضانية، لأن أحداثه تدور فى رمضان، فيجب ألا ننسى أن السادس من أكتوبر كان يقابل العاشر من رمضان.
وما الأماكن التى تحرص على زيارتها وترتبط معك بمشاعر وتجليات روحانية؟
سبق أن قلت إننى فى رمضان أحب أن أتردد على الأحياء الشعبية وأن أسافر إلى قريتى، وأن أرى ملاعب الصبا وأماكن الشباب سواء فى قريتى أو فى المدينة، وفى المدينة أتردد كثيراً على الأماكن التى ترددت عليها كثيراً عندما جئت من قريتى إلى القاهرة لأول مرة، إن الانتقال من الضهرية إلى القاهرة يوشك أن يكون من أهم تجارب العمر الأساسية المحفورة فى أعماق الوجدان، التى نجدها فى كثير من كتاباتى، سواء عنى شخصياً أم عن أبطالى عندما ينتقلون من القرية إلى المدينة. وهى تجربة مصرية صميمة، ربما لا نجدها سوى فى مصر، ومصر وحدها.
الكتب التى تفضل قراءتها غير ألف ليلة وليلة؟
الليالى مرتبطة فى ذهنى برمضان، هل لأننا فى قريتى فى الزمن الأخضر الجميل وقبل أن يدخلها التليفزيون وكان فيها الراديو، ولم يكن فى بيتنا راديو، كنا من الفقراء، وكان فى قريتنا راديو وحيد فى دوار العمدة. وكنا نقترب من الدوار ونحن أطفال لنستمع إلى هذا الزائر الجديد المثير والغريب، ومن أوائل الأمور التى استمعت إليها صوت شهر زاد الجميل – وطبعاً كان الجميل صوت الفنانة التى جسدت شهرزاد زوزو نبيل – عندما تقول: بلغنى أيها الملك السعيد، ذو الرأى الرشيد أن وتحكى.
كان الراديو من الأشياء التى لم يعد لها وجود الآن، كان الراديو من الخشب القديم وكانت له بطارية مثل بطارية السيارة الآن، وكانوا يسافرون بالبطارية إلى المركز، والمركز بالنسبة لقريتى ليس إيتاى البارود التى نتبعها إدارياً، ولكن كفر الزيات التى تقع فى مواجهة قريتنا من الناحية الأخرى، كانت قريتى آخر حدود البحيرة، وكفر الزياد أول حدود الغربية، وفى كفر الزيات كان يشحن البطارية ويعود بها لنستمتع بالاستماع إلى ما يقدمه الراديو، وأهم ما كان يقدمه فى رمضان مسلسل: ألف ليلة وليلة، ولشهرزاد وجود غير عادى فى حياتى، أوشك أن يخيل أننى أعرفها، وقد كتبت عنها برنامجاً إذاعياً للبرنامج الثانى فى إذاعة القاهرة، كنت فى قريتى وأحضرت البرنامج مكتوباً بناء على تكليف من المذيع إبراهيم الصيرفى – يرحمه الله رحمة واسعة – طلب منى كتابته فكتبته، وأعطانى مكافأته التى غطت رحلاتى الأولى إلى القاهرة، وقد حولت البرنامج إلى كتاب كان عنوانه: شهر زاد على المسرح المعاصر، تناولت فيه كيف تناول توفيق الحكيم وعزيز أباظة وعلى أحمد باكثير شخصية شهرزاد فى مسرحياتهم، والكتاب قدمته لدار المعارف لكى ينشر، ولكنهم لم ينشروه وفقدت نسخة الكتاب الوحيدة منى وما زالت مفقودة حتى الآن.
حدثنا عن ذكرياتك فى رمضان مع الصحبة فى حضرة نجيب محفوظ؟
كنا نلتقى بعد وقت الإفطار، وقد أفطرنا معاً فى مرات قليلة، وفى ملابسات غريبة، وعندما كنا نحتفى برمضان كان ذهابنا إلى الحسين قد أصبح صعباً إن لم يكن مستحيلاً. وكنا نلتقى فى فرح بوت «سفينة» راسية على النيل فى الجيزة، وربما ذهبنا إلى سيدنا الحسين مرة أو مرتين، ولكن رمضان كان يعيد الرجل لزمن سيدنا الحسين، الذى تركه وهو صبى صغير عندما هاجرت أسرته إلى العباسية.
وكيف كان يحتفى صاحب نوبل برمضان؟
عندما عرفت نجيب محفوظ كان قد ترك سيدنا الحسين منذ سنوات. وغيَّر مكان إقامته أكثر من مرة، كان قد وصل إلى بيته الذى فى العجوزة، المواجه لمستشفى الشرطة بالعجوزة، لكن كان الحسين يطارده برغم أنه تركه طفلاً، وقد سجل أيام الحسين فى أعماله الأدبية ابتداء من الثلاثية، حتى أصداء السيرة الذاتية، وكتب عنه كثيراً جداً، وكان يعتبره مناسبة دينية وأكثر منها مناسبة إنسانية ومكانية مرتبطة بالمكان الذى جاء للحياة فيه وقضى سنوات عمره الأولى فيه.
ما الأكلات التى تحرص على تناولها فى رمضان؟
للأسف الشديد حولنا رمضان إلى مأكلة، وأصبح رمضان شهراً لوجبات معينة. مثل الكنافة والقطايف، علماً بأنه شهر قائم على فكرة الصيام. والصيام يعنى اختصار وجبتين من وجبات المصريين، وهذا يفترض أن يقل الاستهلاك فيه إلى أقل من الربع، لكنه شهر الاستهلاك الأكبر، فيرتفع الاستهلاك المصرى فيه إلى أضعاف مضاعفة لما يمكن أن نستهلكه فى شهور العام الأخرى، وتلك معضلة تستعصى على الفهم، فأنا أنظر إلى الأسواق فى رمضان، خصوصا الأيام السابقة على رمضان، فأشعر بالفزع لأننا نستهلك فى رمضان أضعاف ما نستهلكه فى شهور كثيرة أخرى من السنة، هذا عكس ما تتطلبه فريضة الصيام.
طالب الرئيس مراراً وتكراراً بضرورة تجديد الخطاب الدينى وشدد على دور الأزهر من وجهة نظرك، ما الآليات المفترض اتباعها لتجديد هذا الخطاب؟ وكيف ترى دور الأزهر خصوصاً فى ظل حالة التفجيرات التى اعتدنا عليها اليوم؟
ما كنت أحب أن تسألينى عن هذا الأمر، ولا أن أستجيب لسؤالك وأرد على السؤال، فالأمور متشابكة ومعقدة ومتداخلة فى هذه المسألة، عرفت الشيخ الطيب مع جمال الغيطانى قبل أن يصبح شيخاً للأزهر، وبعد أن أصبح شيخاً للأزهر سألته بماذا أناديك؟ فقال لى: قل لى يا شيخ أحمد فقط. لكنى كنت أقول له: يا مولانا» ثم باعدت بيننا الأمور بعد أن تحدثت عن رأيى فيمن يحيطون به فى المشيخة، كنت مشاركاً – مع جمال – فى مناقشات إصدار وثائق الأزهر الشهيرة، بعد الخامس والعشرين من يناير سنة 2011، وأشهد أن الرجل يتمتع بمزايا أكثر من نادرة، وما زلت أذكر عندما دعانا للغداء فى مطعم قريب من الأزهر الشريف، دفع من جيبه الخاص تكاليف الغداء، ورفض أن يكون ضمن أموال الأزهر، وأنه رجل عصرى بكل معانى الكلمة، وإنسان أكثر من جميل، لكننى قلت رأيى فيمن حوله، ولأنه صعيدى وما زال صعيدياً ولم تأكل حياة باريس ولا حياة القاهرة من صعيديته شيئاً. فربما كانت العلاقات بالناس بالنسبة له ثنائية إما أبيض أو أسود، ولهذا تأثرت علاقاتنا.
لست مستريحاً لكل ما يقوم به البعض من هجوم على الأزهر أو على الشيخ، وقد كنت حاضراً فى لقاء البابا فرانسيس، بابا الكرسى الرسولى فى روما، مع الرئيس عبد الفتاح السيسى فى فندق الماسة، ولاحظت الحفاوة التى استقبل بها شيخ الأزهر لحظة دخوله القاعة، وذكرتنى بالحفاوة التى كان يقابل بها البناة العظام فى تاريخ مصر، ومنذ بداية الحملة على الأزهر الشريف بسبب تقاعسه - أو هكذا يتصور من يهاجمون المؤسسة أو الرجل – وأنا أرى أن الأزهر واحد من ثوابت الحياة المصرية. والتمادى فى الهجوم عليه خطأ وخطيئة، وربما خيانة، لأن الإبقاء على ثوابت حياتنا - والأزهر جزء منها وشيخ الأزهر جزء جوهرى منها – أما ما طرحه الرئيس عبد الفتاح السيسى حول تجديد الخطاب الدينى، فأنا أختلف مع المسمى، لأننا فى أمس الحاجة لخطاب جديد، ليس خطاباً دينياً فقط، ولكنه خطاب عام لحياتنا كلها، وأنا لا أحب كلمة خطاب، لأنها ترجمة لكلمة فرنسية، ومع ذلك سأخضع للسائد وأمتثل له وأستخدم الكلمة التى لا أحبها، فإن كنا فى حاجة لخطاب دينى جديد، فليكن ذلك جزءاً من خطاب جديد لكل مناحى حياتنا، فنحن فى أمس الحاجة لخطاب حياتى جديد، وخطاب ثقافى جديد، وخطاب اجتماعى جديد، وخطاب اقتصادى جديد، وخطاب سياسى جديد. فلم نفصل الخطاب الدينى ونقول لا بد من تجديده؟. أليس فى هذا تجزئة لأمور الحياة وتفتيت لها.
طالبت بعدم تعويم الجنيه، كيف ترى ارتفاع الأسعار ومتى تنتهى شكاوى المصرى الفصيح؟
عندما قابلت المهندس شريف إسماعيل فى مبنى هيئة الاستثمار – بناء على رغبته - وهو اللقاء اليتيم الوحيد عبَّرت عن مجمل موقفى من الأداء الاقتصادى المصرى. ولن أتطرق لما جرى من حوار، احتراماً لخصوصية اللقاء، وأنا لم أذهب إليه بصفتى كاتباً، ولا روائياً، ولا مثقفاً، ولكن عضواً معيناً فى مجلس النواب، ولذلك لا يحق لى أن أركب سيف عنترة بن شداد وأقول قلت له وقلت له وقلت له، فخصوصية اللقاء تدفعنى إلى الإمساك عن ذكر ما جرى فى اللقاء إلا بعد استئذانه والعودة إليه.
لكن عند انصرافى من مكتب المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، قابلت فى مدخل الهيئة وزير المالية عمرو الجارحى، وتحدثنا فى الشأن الاقتصادى، وأنا أتحدث فى الأمور الاقتصادية من منطلق موقعى كروائى وأديب ومثقف، قبل أن أكون عضواً فى مجلس النواب، وبعد أن تنقضى عضويتى فى مجلس النواب.
ودون التطرق لما جرى فى هذا اللقاء العابر الذى تم على الواقف، وبمنطق المصادفة، أذكر أننى قلت لوزير المالية، وكان ذاهباً لمقابلة رئيس الوزراء، وكنت خارجاً من عنده، إن الكثير من القرارات الاقتصادية كان يجب التراجع فيها. أو العدول عنها، وضربت مثلاً بقرار رفع الأسعار فى يناير 1977، الذى رفضته الجماهير بشدة، وتم التراجع عن القرار، وقلت إننى أعتبر التراجع عن القرارات مسألة مهمة فى تاريخ مصر، فما كان من وزير المالية إلا أن قال لى – وأرجو ألا يغضب – لأننى أعلن حواراً خاصاً دون استئذانه والعودة إليه.
قال لى إن مشكلتنا الآن نشأت من هذا التراجع سنة 1977، وأننا ندفع ثمن هذا التراجع، وعلينا أن نمضى فى خطة إصلاح اقتصادى كاملة مهما كانت المتاعب، بعدها أتكلم مع المسئولين عن الاقتصاد عندما يترددون على مجلس النواب، خصوصاً فى لجنته الاقتصادية. وعندما أقابلهم فى المناسبات العامة، أتحدث مع الدكتورة سحر نصر صاحبة الثلاث وزارات ومع الدكتورة هالة السعيد، التى فرحت بها، فهى ابنة حلمى السعيد الذى أدخل النور لقريتى فى ستينيات القرن الماضى بعد السد العالى، وإن كنت أعتقد أن المعالجات الاقتصادية الراهنة ينقصها مبدأ جوهرى أحرص عليه كثيراً، ألا وهو البعد الاجتماعى، أليس الإمام الشافعى أو عمر بن عبد العزيز أو على بن أبى طالب أحدهم هو الذى قال: حيث تكمن حياة الناس ومتطلبات حياة الناس، يكمن شرع الله، الناس هم القضية الأولى والأخيرة. ويجب أن يكونوا قضية الحكم الراهن الأولى والثانية والثالثة وربما الأخيرة.
اتهمت الدولة بالتقصير فى حق نجيب محفوظ وأنها لم تقم له متحفاً ما دوركم فى لجنة الثقافة بمجلس النواب؟
أنتِ تصرين يا حسناء على أن تختمى هذا الحوار بالجرح النازف منا، وهو جريمة تقصيرنا جميعاً دولة وحكومة ومجتمع وجماعة ثقافية ووزارة للثقافة فى حق نجيب محفوظ، وتكريم نجيب محفوظ بالشكل الذى يستحقه ويليق به، المسألة محزنة للغاية.
وباعتبارى حكاء وروائياً سأحكى لكِ آخر هذه الأحزان، اتصل بى الصديق حلمى شعراوى، رجل إفريقيا فى مصر، وقال لى إن دولة جنوب إفريقيا قررت أن تقيم متحفاً لنجيب محفوظ، وأن تخصص قاعة فى أهم جامعات كيب تاون باسم نجيب محفوظ، وطلب منى الاتصال بأسرته – لم يبق منها سوى ابنتيه فاتن وهدى، أو فاطمة وأم كلثوم – من أجل الحصول على موافقة الأسرة على أن تفعل الجامعة ذلك، فحسب قيم حياتهم فى جنوب إفريقيا لا يمكن فعل هذا إلا بتصريح مكتوب من ورثة نجيب محفوظ.
فشلت، وأقول فشلت، وأكرر فشلت فى التواصل مع ابنتى نجيب محفوظ، وفشلت وأقول فشلت فى التواصل مع محامى أسرة نجيب محفوظ الصديق سيد عمَّار، لأحصل على هذه الموافقة، وعندما قال لى حلمى شعراوى إنه سيتواصل مع الصديق محمد سلماوى لعله يوصله بهم، زودته بتليفون محمد سلماوى وتليفون سيف سلماوى بن محمد سلماوى لعله ينجح فى هذا.
جنوب إفريقيا تريد إذناً لتكريم نجيب محفوظ، ومصر لا تريد إذنا من أحد حتى لا تكرم نجيب محفوظ. فأى مأساة هذه؟!. أى محنة؟! أى كارثة؟!. وعذرا لنجيب محفوظ. وأرجو أن يقبل العذر. حيث هو فى دار البقاء ونحن فى دار الفناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.