يُقصد بحقوق الإنسان في الفقه المعاصر مجموعة من الحقوق الطبيعية التي تنبهت لها وأصدرتها المواثيق الدولية والمكفولة لكل البشر دون تمييز، وهي حقوق لا يمكن التنازل عنها ،فهي إرث اجتماعي ترسخ في التراث الإنساني. ورغم صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 إلا أن هناك شعوبا تناضل من أجل الحصول علي بعض تلك الحقوق، وهو ما يؤثر سلبا علي حياة من يفتقدونها،شعوبا ودولا، فالأمن الوطني لم يعد معناه العدوان من خارج حدود الدول بل يصبح أكثر خطرا من داخلها، ففي الحالة الأولي تزداد النخوة الوطنية ويتماسك المواطنون ضد العدو الخارجي من منظور وطني باسم »التحرير»، بينما في الحالة الثانية يبقي التحزب والتفكك بين المواطنين ظاهرة تتفاقم، وتبدو درجات المواطنة وثقافة الانتماء علي المحك وتسير نحو التشظي فتظهر سلوكيات تتسم بالتطرف والعنف والإرهاب وترويع المواطنين، فتحدث الفوضي وعدم الاستقرار الاجتماعي، وهنا يكون التأثير السلبي عظيما علي المواطنة والانتماء. ولا جدال أننا نعيش اليوم في ظل متغيرات عالمية أسهمت في تزايد حدة الأزمات والمخاطر ،حيث تنامت النزاعات والصراعات بين الدول وفي نفس الوقت تزداد منظمات حقوق الإنسان، وبين هذا وذاك يفقد الإنسان ذاته ،فالوطن أصبح بلا حدود، والمواطنة لا تعترف إلا بالإنسان الكوني، والديمقراطية الغربية شعار يصلح في دول لا تعرف التكافؤ في العلاقات الدولية ،فالمصالح لها الأولوية لمن يمتلك ركائز القوة ومن له حق النقض في أروقة المنظمات الدولية (الفيتو). وهنا تغيرت المفاهيم، فلم تعد المشاركة والمساواة الدعامتين الأساسيتين لحقوق الإنسان في دول الجنوب، ولم يصبح الانتماء هو دفء الانتساب إلي الوطن باعتباره الكيان الأكبرالذي يختفي فيه الأنا (المواطن) وال: نحن (المجتمع)، وفقد المواطن الشعور بأن المجتمع يتعامل معه بصفته منتميا إليه، ومسؤولا عنه ويعمل علي تأمين حاضره ومستقبله ولا يميز بينه وبين غيره من المواطنين. وكل هذا يعني الارتكان إلي دستور يُترجم إلي قوانين تحقق الأمن الإنساني ثلاثي الأضلاع، أي التحرر من الحاجة (المجال الاقتصادي)، والتخلي عن الخوف (المجال السياسي) وتحقيق الكرامة الإنسانية (المجال الإنساني) في ظل التطبيق العادل لدولة القانون. نحن إذن وفي ظل تحديات غير مسبوقة نواجهها وعلي قمتها التطرف والإرهاب والإغراق في الفكر السلفي والغيبي والإعلام الفوضوي والفتاوي غير المسؤولة، نحتاج إلي عقد اجتماعي جديد يبدأ بتجديد الفكر الديني وتنقية التراث وتحقيق مكونات الأمن الإنساني علي مستوي الممارسة.ولا جدال في أن المواجهة رغم أن نصيب الدولة هو الأكبر فيها إلا أن وعي المواطنين وإلتقائهم حول هدف واحد يبدأ بالاعتراف بالأزمة وحالة الحرب التي فرضت علينا هو السبيل لاستعادة حضارة الأمة. • استاذ الاجتماع بجامعة القاهرة