في مصر تعشيقة حضارية ثقافية من نوع السهل الممتنع، حيث تداخل القديم مع الوسيط مع الحديث، وبلغة أخري تداخل عصر الأسرات الذي درجت تسميته "الفرعوني". وهي تسمية لا أفضلها خاصة بعد إطلاق هتاف "الفراعنة اهمه" في مباريات الكرة مع العصر اليوناني الروماني والحقب المسيحية ثم العصر الإسلامي بحقبه المتعددة منذ فتح مصر قبيل منتصف القرن السابع الميلادي وإلي وقتنا هذا. إنها تعشيقة كالأرابيسك الذي تتوسطه "المفروكة" ولا يوجد به مسمار حديد واحد، وتمتد فيه الزخارف اللانهائية بالأغصان والورود والطيور والحيوانات، كما تسطع فيه الحروف العربية بالكوفي والديواني والنسخ والرقعة، تقع العين علي هذه التشكيلة فترتاح، ناقلةً الإحساس بالبساطة والعمق والعراقة إلي الذهن والوجدان، فإذا دققت العين النظر فإنها كثيرا ما تحتاج إلي بصيرة تتجاوز وظيفة البصر، وليتجلي قول الإمام العظيم محمد عبده: "اعقل لتؤمن" و"آمن لتعقل"! ومن تلك التعشيقة ما يتداوله اللسان المصري من حكمة تسري علي ألسنة الناس، عوامهم أكثر من خواصهم، وتنتشر الأمثلة الشعبية، وتتوزع الدعوات والتمائم، وفي هذا أزعم أنني التقطت أمورا لم أقرأ لها تفسيرًا من قبل! وإذا كانت الكف التي تطبع علي الأبواب والأعتاب مغمسة بدم الذبائح تعود إلي الأسطورة التوراتية التي تضمنت استنزال موسي عليه السلام للعنات علي شعب مصر، ومنها لعنة موت البكور أي الابن البكر للبشر والحيوانات وعندها سأل اليهود المصريون النبي موسي: كيف سيعرف ملاك الرب الذي سينزل بتلك اللعنة أننا مستثنون من هذه اللعنة؟ فأجابهم النبي بأن يذبحوا ذبيحة ويغمسوا أكفهم في دمائها ويطبعوا أكفهم علي الأبواب والعتبات وعندها سيميز الملاك بيوتهم! غير أن المصريين من غير اليهود استخدموا الأصابع الخمسة في شأنٍ آخر وهو مقاومة الحسد، فتراهم يقولون إلي الآن: "خمسة وخميسة"، ويتحدثون عن العين الحارسة وعن "العين الحاسدة" التي هي "العين المدورة"! اكتشفت عبر استنتاجات أوحتها لي تلك التعشيقة المصرية أن "الخمسة" هي الأسر المقدسة التي زارت مصر، وهي: أسرة إبراهيم الخليل عليه السلام عندما جاء لمصر بصحبة زوجته سارة، ثم أسرة النبي يعقوب الذي جاء لزيارة ابنه يوسف، ثم أسرة موسي عليه السلام التي سكنت مصر، ثم أسرة السيد المسيح خلال الزيارة التاريخية المعروفة، ثم أسرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم التي لجأت لمصر طلبًا للأمان والاطمئنان عقب المجزرة الدموية التي قتل فيها سيدنا الحسين وأصحابه وبعض أبنائه! ثم إن هناك خمسة أخري كاملة وهم: النبي محمد صلي الله عليه وسلم، والإمام علي، والسيدة فاطمة الزهراء، والحسن، والحسين. أما "الخميسة"، وهي خمسة غير كاملة أو مصغر خمسة، فهي الأسرة المقدسة، السيدة مريم العذراء، والسيد المسيح له المجد، ويوسف النجار، وسالومي. تلك هي "الخمسة والخميسة" التي يرفعها المصريون في وجه الحاسد وفي مواجهة الشر، فإذا أضفنا لذلك بعض رسوم الوشم التي دأب المصريون في الصعيد وفي بحري علي رسمها عند سوالفهم أو بالقرب من عيونهم علي جانبي الرأس وفيها ثلاثة خطوط (ااا)، ومنها الطائر الذي نتندر فنقول عندما يحاول أحدهم اللعب بأذهاننا وخبرتنا: "العصافير طارت خلاص"، فإن الخطوط الثلاثة ترمز لأوزوريس وإيزيس وحورس أو للثالوث المسيحي الأب والابن والروح القدس!!، أما الطائر فهو حورس الذي يصور علي هيئة صقر، ومن ثم دائما ما يقال: "العين عليها حارس"! ومن هذا الكثير حدث ولا حرج، ولذلك أقول للذين يريدون تفريق شملنا إلي مسيحيين ومسلمين، وسنة وشيعة وصوفيين وداخل كل فئة هناك تقسيمات فرعية، لن تستطيعوا مهما فعلتم أن تفكوا هذا المركب الحضاري العظيم.