• »لماذا ينصرف الكبار هكذا إذ فجأة، لماذا يخلون مساحات لم تضق بهم يوماً، لا أتخيل يوماً أن يسأل أحدهم الأستاذ محمد العزبي، لماذا تكتب؟!.» • سألني لماذا لا تكتب؟ قلت هذا أفضل من أن تسأل لماذا تكتب؟ عدد المقالات التي نشرت فيما تيسر من صحف هذا الصباح.. الجمهورية 32 مقالاً، الأخبار 31، الأهرام 25، المصري اليوم 22، المساء 14. أعلاه ما سجله الكبير محمد العزبي علي صفحته علي فيس بوك في إجابته علي سؤال: لماذا لا تكتب؟.. صاحب القلم الرشيق الذي يفوح عطراً قرر اعتزال الكتابة عند السادسة والثمانين، حرمنا وحرم القراء من قلم راق سيال نابض بالحياة يفيض بالوطنية، قرر الاعتزال صحياً، وقرر في ميلاده يوم 21 فبراير الماضي اعتزال المهنة التي نذر لها عمره وأفني فيها أيامه. يوم قرر الأستاذ هيكل يرحمه الله الانصراف، أخذتنا الصاعقة، ولكنه أطل علينا فضائياً معوضاً الغياب، لماذا ينصرف الكبار هكذا إذ فجأة، لماذا يخلون مساحات لم تضق بهم يوماً، لا أتخيل يوماً أن يسأل أحدهم الأستاذ محمد العزبي، لماذا تكتب؟!.. هذا سؤال يستوجب توجيهه للكثيرين ممن يكتبون الان، إلا العزبي، فهو قلم سنفتقده افتقاد البدر في ظلمة حالكة أحاطت بنا، في ظلماتهم يعمهون. بحسابه وما تيسر مكتوب علينا 124 مقالاً يومياً، أتضيق المساحة علي مقال مكتوب لنا، يبلسم جراحنا، ويطبطب علي ظهورنا، ويسكب بعض السعادة علي بؤس أيامنا، ويلهمنا صبراً علي البلاء، أعلم مشقة الكتابة اليومية، ولكنها في حالة العزبي فرض عين، وليست فرض كفاية. تقرأ في »الشروق» أسباب اعتزاله، حقيقة لم أهضمها حباً لسطوره، نصاً يقول »أعلن اليوم، التوقف عن الكتابة، وأنا في أحسن حالاتي؛ فلا أواجه أية مضايقات، ورؤسائي في العمل من تلامذتي المحترمين، وزملائي يتواصلون معي بكل مودة وحب، ومن الأفضل للصحفي أن يسأل الناس عنه: لماذا لا يكتب؟ أفضل من أن يسألوا: لماذا يكتب؟». أخشي أنها حساسية مفرطة من كاتب حساس بطبعه، السؤال الأخير يوجه لآخرين، ولكن السؤال الصحيح، لماذا لا تكتب يا أستاذ، هل ضقت بنا؟ هل ضاقت بكم المساحات؟ هل لم يعد في الإمكان أبدع مما كان؟.. عفواً لسه الكتابة ممكنة. التذرع بالأسباب الصحية أخشي أنها لا تقنع محباً، فالكتابة بالنسبة للعزبي حياة كاملة، الكتابة عند العزبي ليست ملء فراغات بيضاء، أسلوب حياة، إكسير حياة، لا أتخيل الأستاذ العزبي جالساً علي المقهي يجتر الذكريات، وهو من يملك قلماً يندر وجوده من فرط نعومته، وبهجته، قلم العزبي حبره من محبرة السعادة. إنا لمحزونون، يقول العزبي : » الأصدقاء يحزنون أيضا إذا توفانا الله، الحزن وارد، لكن عليهم أن يتفهموا »إني مش بتدلع»، فأنا متمسك بقلمي والحمد لله ». الحمد لله الأستاذ متمسك بقلمه وهذا جيد وحسن، و» مش بيدلع »، والمحبون جادون في عودة الأستاذ من اعتزاله الاختياري، مَن يليق بهم الاعتزال ويستوجب باقون، علي قلبها لطالون، ما يبقي علي المداود غير شر البشر، وما يمكث في الأرض، كتابة العزبي ما ينفع الناس، أما الزبد فيذهب جفاء، فليعد الأستاذ إلي الكتابة حباً في الناس.