كتب الكثيرون عن اعتزال الاستاذ محمد العزبي كبير صحفيي جريدة الجمهورية. تحدثوا عن أسلوبه وكتاباته الرائعة وغيرها من الأمور التي اعتاد كتابنا علي تدبيجها في كل المناسبات المماثلة وإلا انهم نسوا ما هو أهم. نسوا ان الاعتزال من سنن الحياة مثل الميلاد والوفاة وان هناك اجلا محتومًا لابد ان يصله كل صاحب مهنة ليعلن أن الوقت قد حان ان يستريح ويكتفي بالنظر والمتابعة بعدما فقد القدرة بحكم السن أو بحكم الظروف علي المشاركة فيما يحدث أياً كان نوع المشاركة عبث وان السن لا تسمح بالاستمرار بالمزيد من العبث. نسي البعض أن هناك سيرة وظيفية وسيرة حياتية وان اهالينا قديما قالوا ان السيرة أطول من العمر. إلا أن البعض يعز عليه ان يلقي استاذ مثل استاذنا محمد العزبي القلم ويكتفي بالمشاهدة والمتابعة دون المشاركة في وقت يعتقد البعض انهم في حاجة إلي أفكاره وكتاباته ومساهماته فيما يجري حولنا من أمور والحقيقة ان اعتزال العزبي جاء متماشيا تماما مع شخصيته واستاذيته. فالاستاذ العزبي لم يدع يوما انه بطل ولم يمارس حتي البطولة علي الورق. كان دقيقا يتعمد دوما ألا يكون في الصفوف الأولي ويتأخر برغبته حتي لا ينازع احدا علي شيء اعتزاله كان انعكاسا لشخصيته الهادئة الرزينة البعيدة عن التكلف والرياء. اكتفي الاستاذ العزبي بما حققه. حب قرائه له وحب تلاميذه له وتذكرهم له دوما بالخير وتمنياتهم له دوما بموفور الصحة وطول العمر. الأستاذ محمد العزبي استطاع طوال فترة عمله في الصحافة أن يجني الكثير من الأحبة والأصدقاء وان يحصل علي مكانة فريدة في قلوب جيله وتلاميذه. لقد قرر ان ينهي عمره الوظيفي بطريقته لتستمر سيرته العطرة وسأحكي لكم بعض ما أعرفه عنه وبعض ما لمسته في تعاملي معه وما شعرت به لقربي منه. هناك الكثير من الأمور ولكنني سأغلب العام فيها علي الخاص. خاصة ان في مؤسستنا دار التحرير يندر ان تجد من يقترب من المجردين من السلطات أو خاليي المناصب. سأحكي عن الاستاذ محمد العزبي عندما تولي منصب رئيس تحرير الإجيبثان جازيت وكيف حولها من جريدة ترجمة إلي جريدة فعلية لها أخبارها وانفراداتها وكيف تعامل مع مجموعة الشباب في ذلك الوقت وكيف دفعهم وحركهم ليتحولوا من مجرد مترجمين إلي صحفيين حقيقيين. لقد أعطي الاستاذ العزبي جميع تليفونات مصادره إلي الشباب في الجازيت. ساعدهم في إجراء حوارات وإجراء مقابلات وعلمهم الصحافة. هؤلاء الزملاء يتذكرون دائما مواقف الاستاذ محمد العزبي حيث قال لي ذات مرة أحد الزملاء انه حول منصب رئيس التحرير. هذا المنصب المربع بالنسبة لصغار المحررين والمتدربين إلي منصب أبوي يشع حنانا ومحبة لكل من حوله وخلال الثلاث سنوات التي شغل فيها المنصب لم يؤذ احدا ولم يتآمر ضد أحد. كان هو العزبي عذب اللسان الودود وإذا كان قد اعتزل وترك القلم جانبا فهو يعلم حجم المحبة ويعلم كما تعلمنا من أهالينا ان السيرة أطول من العمر وأطول من الوظيفة.