قبل 7 أشهر من الانتخابات العامة الحاسمة تزايدت الضغوط علي المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي تسعي للفوز بولاية رابعة، مما دفع مجلة دير شبيجل للتساؤل »هل ستسقط؟». من الصعب الوصول إلي إجابة دقيقة علي هذا السؤال، إلا أن استطلاعات الرأي تضع ميركل في وضع حرج بعد الصعود المفاجئ للحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة مارتن شولتز الأمر الذي أربك الحسابات علي الساحة السياسية في ألمانيا. وبحسب استطلاع للرأي بثته القناة الأولي الألمانية حصل الحزب الاشتراكي (يسار الوسط) والشريك الحالي في الائتلاف الحكومي علي 32% من الأصوات مقابل 31% للكتلة التي تمثلها ميركل (حزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي في بافاريا). هذا الاستطلاع ليس الوحيد الذي يظهر تفوق الاشتراكيين علي معسكر ميركل حيث أشارت صحيفة »بيلد أم زونتاج» إلي نفس النتيجة وهو ما يعد سابقة لم تحدث في ألمانيا منذ 10 سنوات. ويمكن إرجاع هذا التقدم الكبير للاشتراكيين إلي زعيمهم الجديد مارتن شولتز الذي ينافس ميركل علي مقعد المستشارية، والذي يركز حملته الانتخابية علي الوضع الاقتصادي ومحاربة البطالة كمحرك لنمو الاقتصاد، عبر إدخال إصلاحات علي سوق العمل ومنح مساعدات اجتماعية لمدة زمنية أطول من المقرر حاليا لمن فقدوا وظائفهم. كما يطالب بتجميد عقود العمل المؤقتة واعتماد عقود دائمة، مما أدي لارتفاع عدد المنتسبين إلي الحزب. ورغم أن شولتز يبدو وجها جديدا للناخبين الألمان بسبب السنوات الطويلة التي قضاها في المؤسسات الأوروبية، إلا أنه يبدو بداية جيدة للحزب الاشتراكي. ولد شولتز عام 1955 ونشأ في فورسلن وهي بلدة صغيرة في شمال غرب ألمانيا، وبدأ حياته كبائع كتب ثم افتتح مكتبة في بلدته واشتغل بالسياسة منذ طفولته فانخرط في صفوف صغار الحزب، وفي 1987 أصبح عمدة فورسلن ليصبح أصغر سياسي في ولاية شمال الراين- وستفاليا، وفي 1994 انتخب نائبا بالبرلمان الأوروبي وظل به حتي انتخب رئيسا له عام 2012. وإلي جانب شولتز لعب فوز وزير الخارجية السابق فرانك فالتر شتاينماير- الذي يمثل أحد أعمدة الحزب الاشتراكي- برئاسة البلاد في فبراير الماضي دورا إيجابيا لصالح الحزب. ورغم أن منصب الرئاسة شرفي إلي حد كبير إلا أن خطاب شتاينماير المحامي والسياسي البارز صاحب الشعبية الكبيرة لقبول المنصب أثار حماسة الألمان بعد أن شجعهم علي التحلي بالجرأة في الأوقات الصعبة. وقال »إن أحد مميزات السفر حول العالم أنه أدرك أن ألمانيا أصبحت نموذجا ومركزا للأمل لكثير من الناس». وبسبب دوره في صعود الحزب الاشتراكي، غضب بعض السياسيين في الحزب الديمقراطي المسيحي من ميركل لدعمها ترشح شتاينماير للرئاسة. ولم يقتصر تأثير صعود الاشتراكيين بقيادة شولتز علي معسكر ميركل فحسب لكنه امتد إلي حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف المناهض للهجرة.. فبعد ما عزز الحزب موقعه نتيجة سلسلة نجاحات حققها في الانتخابات المحلية العام الماضي وضع لنفسه هدفا بأن يصبح أول حزب يميني شعبوي يدخل البرلمان (البوندستاج) منذ 1945 وأن يحصل علي نسبة 20% في الانتخابات المقبلة، لكن علي عكس المتوقع تراجعت شعبية حزب البديل بصورة كبيرة وكشفت استطلاعات الرأي الأخيرة أنه سيحصل فقط علي 10% من نوايا التصويت بعد أن وصلت نتائجه في ديسمبر الماضي إلي 15% وحتي لو بقي فوق عتبة ال5% اللازمة لدخول البرلمان فإن هذه النتائج تشكل تراجعا ملحوظا. أخيرا فإنه ورغم هذه التغيرات التي شهدتها الساحة السياسية الألمانية، إلا أنه من الصعب توقع الفائز في هذه الانتخابات، خاصة بعد المفاجآت التي شهدها العالم في 2016 من تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي ثم فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهي المفاجآت التي جعلت المستشارة الألمانية تبدو وكأنها زعيمة العالم الحر المدافعة عن قيم النظام الغربي. وإذا كانت سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها ميركل تجاه اللاجئين هي أحد أسباب تراجع شعبيتها، فإنها تحاول الآن تدارك الأمر من خلال الحد من تدفق المهاجرين وتبني موقف أكثر تشددا تجاه عمليات الترحيل. • علياء أسامة أيوب