جاء انخفاض الدولار الأيام القليلة الماضية ليكشف عن السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار في كافة المنتجات، فلم يكن فقط تحرير سعر الصرف لكن هناك جشعاً واستغلالاً واحتكاراً مارسه البعض بالتزامن مع إجراءات الحكومة للإصلاح الاقتصادي حتي باتت عبارة »الدولار غلي» مصطلح يردده كل من أراد مبررا لرفع أسعار منتجاته حتي بائع »الجرجير» وكافة السلع المحلية التي لا علاقة لها بالعملة الأجنبية.. وكانت الزيادات في هذه السلع لا تتناسب مع حجم الإصلاحات بقدر ما كانت بمثابة »موضة» بزيادات سعرية غير منطقية.. الخبراء والمتخصصون توقعوا انخفاض الأسعار خلال الفترة المقبلة مع تراجع سعر العملة الخضراء مطالبين برقابة صارمة وقوائم استرشادية تضبط السوق خاصة للسلع المحلية مع أهمية عقد لقاء رفيع المستوي يلزم الصناع والمنتجين بوضع »تسعيرة أدبية» تسهم في مواجهة الجشعين معدومي الضمير. في البداية، أكد أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، أن انهيار الدولار يساهم بشكل كبير في تراجع أسعار جميع السلع خاصة تلك التي تضاعفت أسعارها بعد تحرير سعر الصرف الذي أدي إلي انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بشكل كبير وتسبب في ارتفاع أسعار جميع السلع خاصة المستوردة. وأضاف أن السوق سوف تستجيب بشكل كامل لانخفاض سعر الدولار خلال شهرين حتي تستكمل العملية الاستيرادية دورتها التي تبدأ منذ تقديم المستوردين للاعتمادات المستندية لدي البنوك وانتهاءً بشحن البضاعة ووصولها إلي الموانئ الجمركية تمهيدا لتخليصها وإدخالها إلي السوق المحلية لتوزيعها علي التجار المحليين. وقال رئيس شعبة المستوردين إن استجابة السوق لتغيرات سعر الدولار يجب ألا تتوقف فقط علي انخفاض وارتفاع الدولار لكن علي إنهاء حالة الاحتكار التي تعاني منها السوق المحلية في العديد من السلع خاصة الغذائية، مشيرا إلي أن الاحتكار يؤدي إلي تحكم قلة من التجار في أسعار بعض السلع ويحددون أسعار منتجاتهم بما يضاعف من هوامش أرباحهم بنسبب تتعدي ال 100% من تكلفة السلع التي يبيعونها. وأضاف أن استجابة السوق لإنخفاض الدولار تتوقف أيضا علي مدي استمرار هذا الانخفاض أو استقرار الدولار عن سعر معين بحيث يمكن للمستوردين تحديد تكلفة السلع التي يستوردونها ويضعون هوامش ربح تتناسب مع سعر التكلفة، مشيرا إلي أن الدولة عليها أن تتدخل بوضع ضوابط حاكمة لتحديد هوامش الربح وفرض عقوبات صارمة علي المخالفين. وأشار شيحة إلي أن التجار ينظرون إلي الأسباب الحقيقية لتراجع الدولار بهذا الشكل في فترة لا تتجاوز أسبوعين، والعديد من المستوردين يرون أن هذا الانخفاض مؤقتا وسرعان ما يعاود الدولار إلي الصعود، ولذلك نجد بعض التجار لا يستجيبون لهذا التغير ويرفضون تحريك أسعار السلع خشية أن يعاود الدولار الارتفاع ويخسرون أرباحاً كانت شبه محققة من وجهة نظرهم، مضيفا أن كميات البضاعة الموجودة بالمخازن لدي التجار هي التي ستحدد بدقة الفترة الزمنية التي يستجيب فيها السوق لانخفاض الدولار. من جابنه قال اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك إن جشع بعض التجار واستغلالهم للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها بلادنا هي أحد أهم الأسباب الحقيقية للارتفاع غير المبرر للأسعار، مشيرا إلي أن التراجع الذي شهده الدولار في السوق خلال الأيام الماضية ساهم بشكل كبير في انخفاض أسعار العديد من المنتجات خاصة السيارات حيث انخفضت أسعار بعض السيارات بقيم وصلت إلي عشرات الآلاف من الجنيهات وذلك في استجابة سريعة ومنطقية من بعض التوكيلات للتغيرات التي حدثت في سعر الدولار. وأضاف يعقوب أن السوق المصرية متشعبة وهناك العديد من العوامل التي تتحكم في أسعار السلع، وأحد أهم هذه العوامل هو ثقافة المستهلك ومدي تمسكه بحقة في الحصول علي منتجات بجودة عالية وبسعر عادل، مشيرا إلي أن حالة الركود التي شهدتها السوق المحلية خلال الفترة الماضية بسبب الارتفاع في أسعار العديد من المنتجات ساهمت في خلق نوع من الضغط علي التجار لتخفيض الأسعار. أشار إلي أن حركة البيع والشراء تراجعت بنسبة كبيرة خلال الفترة الماضية وتكدست المخازن بالسلع، وتخلت شريحة عريضة من المستوردين عن شراء جزء كبير من السلع الترفيهية التي كانت لوقت قريب تمثل جزءاً أساسياً من حياتهم، مضيفا أن هذا ما يسمي بالركود التضخمي وهو أخطر أنواع الركود علي التجار حيث تقل حركة البيع وفي نفس الوقت تستمر الأسعار في الارتفاع. فيما أكد المهندس سيد بسيوني رئيس لجنة الصناعات الغذائية بجمعية مستثمري العاشر من رمضان أن الفترة المقبلة ستشهد انخفاضا جديدا للدولار وقد يصل إلي 15.25 جنيه بنهاية الشهر الجاري مع استمرار تحسن الأحوال الاقتصادية وزيادة التصدير وتحويلات المصريين العاملين في الخارج واستمرار اتباع سياسة ترشيد الاستيراد، مشيرا إلي أهمية عقد اجتماع عاجل برعاية رئيس الوزراء مع كبار المصنعين والمنتجين والشركات العملاقة في مجال السلع الاستراتيجية التي تمثل 75% من احتياجات الأسرة المصرية، والاتفاق معهم علي التزام أدبي وتسعيرة أدبية للسيطرة علي ارتفاع الأسعار فلم يعد هناك أي مبرر لارتفاع أسعار السلع المحلية باستثناء ما يتم استيراده من الخارج ولفترات معينة أيضا. أوضح بسيوني أن السلع التي تأخذ دورة طويلة التي يتم استيرادها من الخارج مثل الزيوت لن تتأثر بانخفاض الدولار في الوقت الراهن بسبب شراء كميات لأربعة أشهر بالسعر القديم للدولار ما بين 17.5 جنيه إلي 18.5 جنيه، وقد يبدأ الانخفاض التدريجي في الأسعار مع نهاية شهر يوليو المقبل حينما يتم العمل بالدورة الجديدة في ظل انخفاض سعر الدولار وتثبيته شهرين علي الأقل، فضلا عن أن مثل هذه السلع تحكمها البورصة العالمية وتمثل وارداتنا من الزيوت 100% من استهلاكنا المحلي. وأكد علي أن أسعار الخضر والفاكهة الآن مبالغ فيها إلي حد كبير فلا علاقة لها بارتفاع أو انخفاض الدولار فقط تحتاج إلي تفعيل القوائم الاسترشادية والرقابة الصارمة علي السوق لمواجهة المستغلين والتجار الجشعين، وخاصة في مجال الدواجن والبيض التي ارتفعت أسعارها بصورة غير مبررة علي الاطلاق ولم يتم الالتزام بالاتفاق الذي تم علي أساسه إيقاف قرار الحكومة بإلغاء الجمارك علي الدواجن المستوردة، مطالبا بضرورة قيام الشركات والمصانع بتدوين أسعار التجزئة علي المنتجات بتاريخ اليوم ومواجهة المستغلين بتغليظ العقوبات. في سياق متصل، طالب د. عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، بالسعي نحو زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية الخارجية لضمان انخفاض أكثر للدولار أمام الجنيه المصري، من خلال استصدار قانون الاستثمار الجديد ولائحته التنفيذية وتسويق جيد للفرص الاستثمارية في مصر وتسهيل إجراءات التراخيص اللازمة لإقامة المشروعات وسهولة حركة دخول وخروج الأموال ووضع آلية لفض المنازعات خاصة أن مصر أحد أهم مناطق الجذب الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط. وأكد علي ضرورة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تعد أهم الوسائل لتحقيق نمو اقتصادي وتنمية اقتصادية حقيقية خاصة أن حجم هذه المشروعات يمثل 98% من حجم المشروعات في مصر وكثير من دول العالم التي استطاعت أن تحقق نمواً اقتصادياً اعتمدت علي المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر مثل البرازيل والهند لاسيما أن المشروعات تستوعب حجم عمالة كبيرة مما يزيد من معدلات التشغيل ويقلل من معدلات البطالة التي تجاوزت أكثر من 12,6%. إضافة إلي السعي نحو تحقيق تنمية صناعية وزراعية من خلال زيادة حجم المصانع المنتجة والاهتمام بصناعة المكونات والأجزاء الوسيطة لأن أغلبية الوضع الصناعي الحالي يعتمد علي نسبة كبيرة من استيراد المكون من الخارج اللازمة للعملية الإنتاجية تتراوح من 30% إلي 70% مما يفقد جزءاً كبيراً من الحصيلة الدولارية لاستيراد مكونات الصناعة وكذلك السعي نحو تحقيق الأمن الغذائي في مصر من خلال وضع خطة لزيادة الرقعة الزراعية. • السيد شكري عاطف عبد اللطيف