دأب النظام الفاسد علي مدي عقود طويلة علي تدمير، ولا اقول تغييب العقل المصري، باغراقه في تفاهات ثقافية وفنية، بهدف تخديره والهائه عن كل ما يعانيه من فقر وحرمان، حتي لا يفيق، ويلتفت الي من سرقوا حياته ونهبوا ثرواته بلاده، ويقتص من الفاسدين الذين اوصلوه الي هذه الحياة البائسة علي مدي عقود طويلة.. وبعد انطلاق ثورة الشباب في 52 يناير، تكشفت للشعب حقائق كثيرة.. منها نهب الثروات التي تعدت مليارات الجنيهات او الدولارات أو الاسترليني.. التي لو وجهت في مسارها الصحيح لتحولت مصر الي جنة الله في أرضه.. والتي يقال انها وصلت الي ارقام فلكية تصل الي اكثر من تريليون، وكما هو معروف في عالم الارقام ان التريليون هو ألف ألف مليار جنيه.. والشيء بالشيء يذكر ان ميزانية امريكا لهذا العام، بجلالة قدرها، كما اعلنها الرئيس اوباما منذ اسابيع تصل الي اربعة تريليونات دولار.. واذا كانت ميزانية امريكا وهي اكبر دولة رأسمالية في العالم اربعة تريليونات دولار، فإن لصوص مصر ومصاصي دماء الشعب نهبوا اكثر من تريليون جنيه، وللانسان السوي ان يتصور حجم الكارثة المالية التي حلت بالشعب المصري، التي اسلمته الي حياة البؤس والحرمان من تدني الاجور وتزايد اعداد المتعطلين، ناهيك عن اصحاب المعاشات وحياتهم الصعبة،وهم شيوخ لا حول لهم ولا قوة في نهاية حياتهم. وعندما كان الشعب يطالب النظام الفاسد بتحسين ظروف معيشتهم، نسمع رأس النظام يقول في سخرية »ه اجيبلكم فلوس منين«.. وبعد الحاح ذليل يمن عليهم بعلاوة، جنيهات معدودات، لا تغني ولا تسمن من جوع.. امام ارتفاع الاسعار. والي جانب السرقة ونهب الثروات، عمد النظام الفاسد الي تخدير الناس ودغدغة عواطفهم واثارة الغرائز بسيل من المسلسلات الهابطة والافلام الجنسية الفاضحة ولم يكن الامر مقصورا علي الفن الهابط بل امتد الي الاغنية بكلمات مخزية وانتشرت بين الناس كالنار في الهشيم، تطاردهم صباح مساء، في كل مكان يذهبون اليه، في غرف النوم وفي الشارع علي لسان الاطفال والفتيات الابرياء، وفي وسائل النقل العامة والخاصة، فتدنت السلوكيات، وشاعت الفاظ السوقة والدهماء، وعمد النظام الفاسد علي ترسيخ هذا التوجه السييء، بالالحاح علي اذاعتها عبر اثير الاذاعة والقنوات الفضائية والهواتف المحمولة.. واصبح سماع الشتائم في هذه الاغنيات امرا عاديا غير مرفوض ولا مستهجن.. وانظر الي الاغاني لتعرف حجم المصائب الاجتماعية والاخلاقية، فتسمع مطربا وهو يصرخ : احبك يا حمار.. ودي عيلة واطية ونصابة، اما المطربات فيغنين بأرادفهن، ولم يكتف النظام الفاسد بالرقص والاغاني الهابطة، فعمل علي اغراق الناس في السحر والشعوذة، فظهرت مجموعات من الدجالين، وصل عددهم، وفق آخر احصاء رسمي الي 004 ألف دجال ومشعوذ من قارئي الكف والطالع والفنجان بالمقلوب، والدجل لغويا معناه الكذب والتمويه.. وراجت هذه البضاعة بين الفقراء.. هربا من واقعهم المؤلم.. ووصلت الي شرائح اخري، اجتماعية، وثقافية وقيادات عليا والي بعض ما يطلق عليهم رجال اعمال، وفي الحقيقة ناهبي اموال الشعب، وقد لجأوا الي المشعوذين لانهم يعيشون في فراغ ولهو، ينفقون ببذخ من اموال حرام لا تمثل لهم شيئا ذات بال، فقد تحصلوا علي هذه المليارات بالكذب والخداع، نهبوها من بنوك الشعب في صور قروض، ولم تستطع البنوك استردادها، لان ناهبيها كانوا في اعمدة النظام الفاسد. وعمد دعاة السلب والنهب الي الهاء المواطن عن امور حياته.. بالهائه في كرة القدم.. حتي ينسي حقوقه السياسية والاجتماعية وحقه في حياة حرة كريمة، فاغدق علي المنتخبات الرياضية والنوادي الرياضية والاتحادات ملايين الجنيهات.. في الوقت الذي جف فيه ريق اساتذة الجامعات، والقائمين بالبحث العلمي من كثرة المطالبة بتحسين ظروف معيشتهم وضاعت اصواتهم سدي. واغرقوا البيت المصري في تقديم اشهي الوجبات، فلا تخلو قناة فضائية من »الشيف« فلان الفلاني الذي يقدم اشهي الاطباق.. وتنهال عليهم عشرات المكالمات يطالبون بالمزيد من هذه الأطباق، مع ان الاغلبية الساحقة من الشعب المصري لا تملك قوت يومها. حان الوقت لوقفة جادة ازاء كل هذه الظواهر المرضية، وقفة اعلامية وثقافية ترقي بالذوق العام وتعرف الناس ما لهم وما عليهم من حقوق ووجبات. والطريق الي بناء مجتمع منتج بالعمل الجاد والفكر.