هكذا بدا الرجل الذى أتت به الصدفة لأن يحكم مصر، دائما لا يفهم إلا بعد فوات الأوان، ولا يستجيب إلا بعد أن يشيع الخراب، ولا ينصت إلا وهو مكبل، شأن كل المجرمين. مبارك فكك مصر وباعها فى أسواق الخردة، باع مصر كلها لعصابته، وقال كما قال فرعون: "أنا ربكم الأعلى"، ولا يصدق حتى الآن أن ملايين المصريين يثورون فى وجهه مطالبين بمحاكمته، وكأن لسان حاله يقول: من أذن لكم بالثورة؟ أليس لى ملك مصر؟!. إنه المستبد الذى حكم وكأن البلد ملك توارثه، فكان وأسرته يحكمون، وينهبون، ويعتقلون، ويعذبون، ويشردون، ويعربدون فى البلاد ينشرون فيها الفساد، يطردون كل شريف، ويكافئون كل فاسد، فكان نظاما طاردا للشرفاء، وحاضنا للفاسدين والمفسدين، حتى نجحوا وبكل فخر فى تأسيس امبراطورية عظمى للفساد، ليس لها مثيلا فى التاريخ الإنسانى القريب والبعيد. كان خروجه من القصر الرئاسى ولو لمئات الأمتار، يكلف البلد ملايين لتأمين حياته من الملايين التى تكرهه من خلال موكب لا مثيل له فى كل دول العالم قاطبة، وكذا كان موكب زوجته السيدة "الفاضلة" التى كانت ترأس مئات المجالس والهيئات والجمعيات، منهم مجلس لمكافحة الختان، وينفق عليها المليارات من أموال الشعب المقهور، وكذا كان موكب ابنه وأقرانه من اللصوص والمجرمين. ظل الجبار العتيد يعاند ويستخف بكل ما يقال، ظنا منه أن لن يقدر عليه أحد، ونجح فى تشكيل جهاز أمن نزعت من قلوبهم الرحمة، سرقوا البلد ونهبوا ثرواتها، وسوف نظل لسنوات نفتح فى ملفات هذا العهد الأسود، وقد نظل لعدة عقود نطالع أبشع حالات الفساد فى التاريخ الإنسانى التى عانى منها المصريون. كان مبارك وبحق هو فرعون هذا الزمان الذى طغى فى البلاد، وأشاع فيها الفساد، واستخف شعبه، وفجر فى جرائمه، فحارب دين الله، وأذل المتمسكين بدينهم، وشجع الإنحلال الخلقى، فدمر بنيان المجتمع، وطمس هويته، وفرقة المطبلين من حثالة الإعلاميين والصحفيين تزين له سوء أعماله، وتضلل الشعب، متناسين معطيات هذا الزمان، متناسين أننا فى زمن أضحى من المستحيل فيه إخفاء الحقيقة، متناسين الحكمة القائلة بأنه إذا استطعت أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، فلن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، لكنهم كانوا يرفلون فى نعيم من حصيلة السلب والنهب، أعماهم عن تلك الحقائق. كان نظام مبارك كحاضنة للمفسدين، الذين شكلوا مزرعة كبيرة لكل الفاسدين، وأحاطهم النظام برعايته وحمايته، بالحصانات وأضفى عليهم الإعلام الفاسد هالة كما النجوم أو الملائكة. فى عهد مبارك البائد، وزعت الجوائز على الفاجرين والشواذ، وصنعوا من الفجرة أئمة للمجتمع، ودفنوا كل المصلحين، وانطلقت خيولهم المتوحشة لتدهس كل القيم الفضلى فى المجتمع المصرى، وترمى بحممها إلى الدول المجاورة، لتوسيع قاعدة الفاسدين. الآن جاء وقت الحساب، جاءت اللحظة التى لم يفكر فيها ثانية واحدة طوال حياته الطويلة، انقلب السحر على الساحر، فاللصوص الذين آواهم اعترفوا عليه، وأجهزة الاستخبارات الغربية التى ظل خاضعا لها كخادم أمين على مدى ثلاثة عقود، بدأت تسرب لأجهزة الإعلام حجم ثرواته وبياناتها كاملة، وسوف تتكشف خلال الأيام القادمة حقائق مفزعة يشيب من هولها الوليد، حيث يتداعى رموز الفساد، وتنفضح جرائمهم، وسوف يتحدث العالم بأسره عن غابة الفساد التى غرس فسائلها وتعهدها بالرعاية الكاملة نظام مبارك، حتى نمت وتوحشت وضربت بجذورها كل قطاعات ومؤسسات وكيانات الدولة المصرية على مدى ثلاثة عقود عجاف. سوف تكون مصر فى عهد مبارك ولقرون قادمة، بل وحتى تقوم الساعة، هى مضرب الأمثال فى كل تواريخ الشعوب على اختلاف أشكالها، كأبشع نموذج للفساد والفاسدين، خلال عهد الرئيس السابق، الذى حكم مصر فى غفلة من الزمن. وسوف نظل كمصريين لعدة أجيال قادمة نسدد فواتير هذا الفساد، الذى أطبق علينا منذ جاءت الصدفة برجل عنيد عتيد ومستبد غاشم، ليحكم بلدا بحجم مصر. ها هو يطرد مدحورا مزؤوما من شعبه الذى صبر عليه ثلاثة عقود كاملة، حائزا للقب مشين، وهو "الرئيس المخلوع" الذى طرده شعبه، والذى انكشف للعالم كله أنه كون أكبر امبراطورية فساد فى التاريخ. الآن عادت مصر لنا، عادت لأبنائها الحقيقيين، بعدما كانت مسلوبة ومرتهنة فى أيدى الصوص والسفاحين، فلقد سقط الطاغية، وجاء وقت الحساب، وعلى الباغى دارت الدوائر. سيظل 25 يناير تاريخا مضيئا فى تاريخ مصر والعالم أجمع، ولابد أنه سيكون العيد القومى لمصر، لأن ما تحقق فيه أكبر بكثير من أى حدث مضى، ولأن ما تحقق فيه جاء بفعل كل أبناء الشعب بشكل مباشر، وسيجنى كل أبناء الشعب ثماره الطيبة حتى تقوم الساعة. وأعتقد أنه سيكون فى حكم المؤكد محاكمة المنظومة الإعلامية الفاسدة التى زينت لمبارك وللشعب كل سوءات النظام البائد، وضللت أمة بحجم مصر، وقد يكون من المفيد أن أذكر بعذ هذه الأسماء، حتى يطالب الشعب بمحاكمتهم، وهم: أنس الفقى، عبدالله كمال، كرم جبر، محمد على ابراهيم، ممتاز القط، مجدى الدقاق، ياسر رزق، أسامة سرايا، وغيرهم من صحفى الصف الثانى فى المؤسسات الحكومية، الذين عملوا لصالح الطاغية ضد مصلحة الشعب. لقد عاش مبارك أعمى وأصم (بإرادته) وطرد وهو معافى يسمع أقبح الألفاظ منعوتا بها، ويرى يوم القيامة قد حل. [email protected]