داهمنا الشتاء فجأة.. كالعادة مثلما يداهمنا كل عام دون أن نستعد له وكأننا شعبا وحكومة نسعد بالمفاجآت حتي لو كانت غير سارة.. فشهر رمضان الكريم يحل فجأة كل عام فترتبك الأجهزة الخدمية وتعلن جهات الإنتاج الدرامية حالة الطواريء.. أما الشتاء فلا يعرف الهوادة فإذا كان الصيف الماضي قاسيا في حرارته فقتل بعض الناس من ضربات الشمس الموجعة فإن الشتاء أكثر قسوة عندما يكشر عن أنيابه ويهاجم بضراوة كل الضعفاء والفقراء الذين لا يملكون سقفا يحميهم من الأمطار أو تقع بيوتهم المتهالكة في مجري السيول أو لا يجدون بطاطين تحميهم من البرد القارس ولا وجبة ساخنة تمنحهم بعض الدفء أولئك هم ضحايا الشتاء الجبار الذي يضرب بلا قلب ولا يرحم عجوزا أو مريضا أو فقيرا أو طفلا مشردا كان مصيره للشارع بعد خلافات عائلية طردته من دفء المنزل إلي الشارع وقوانينه الصارمة.. هكذا فجأنا الشتاء فاستيقظنا علي كابوس من الأمطار الغزيرة والسيول والمفروض أن موعدها معروف مقدما لكن الفارق أنها أصبحت أكثر غزارة نتيجة للتغيرات المناخية التي تواجه كوكب الأرض المشبع بالغازات التي حولته إلي صوبة ضخمة ورفعت درجة الحرارة فأذابت الثلوج فازدادت الفيضانات.. ولكن المدهش أنه علي مدار عشرات السنين لم ننجح في الاستعداد لاستقبال الشتاء، حتي بالوعات العاصمة إما تم ردمها أو سدت لإهمال صيانتها وإذا كانت القاهرة خاصة الأحياء العشوائية والشعبية تغرق في الأمطار فكيف حال المحافظات والقري التي تغرقها الأوحال..عار علينا في القرن الحادي والعشرين أن تعود مدننا وقرانا إلي بدايات القرن الماضي فلا يجد المواطن شارعا نظيفا وجافا يسير فيه ولا يمكن أن يحتفظ بملابسه نظيفة لأن السيارات المارة ترشه بالمياه القذرة ولابد أن يتمرن علي الأكروبات ليتمكن من السير علي قوالب الطوب أو ألواح الخشب ليعبر الطريق أو يضع جريدة علي رأسه ليحتمي من الأمطار فتبتل وتزيده بللا.. ألا يشعر المحافظون وموظفو المحليات بالمسئولية تجاه هذه المظاهر غير الإنسانية التي يعانيها المواطن في حياته اليومية ونحن مقبلون علي شتاء طويل وقارس البرودة حسب تنبؤات الأرصاد؟.. هل سيبررون إهمالهم بنقص التمويل كالعادة ؟ أم يحاولون أن يجدوا حلولا لمشكلات الناس الذين ولاهم الله عليهم لخدمتهم ؟ وهنا يأتي دور رجال الأعمال ليخصصوا بعضا من إنفاقهم لصالح تخفيف آثار الشتاء علي الفقراء.. أما المواطنون فعليهم التزام بيوتهم قدر المستطاع واحتساء شوربة العدس الساخنة !