فقدت مصر منذ أيام عالمة شابة من علمائها الأجلاء في علم الصيدلة (الأدوية والسموم) حيث كانت تشغل أخيرا منصب نائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب بالجامعة الألمانية بالقاهرة وعميدة لكلية الصيدلة سابقا، لقد كانت الدكتورة ليلي جمال مهران مثالا رائعا لما يسمي في علم السلوك الإداري « الإدارة بالحب « أو Management By Love ونموذجا رائعا أيضا لما يجب أن يكون عليه أستاذ الجامعة في تعامله المهني والإنساني الرفيع مع طلابه وزملائه وفي التفاني والإخلاص في العمل. تخرجت د.ليلي من المدرسة الألمانية بالقاهرة حيث كان والدها رحمه الله أ.د. جمال مهران عالما من علماء الصيدلة (العقاقير) وأمها سيدة فاضلة ألمانية الأصل، تعلمت من أبويها التفاني والانضباط في العمل واحترام الاخر بالإضافة إلي تحدي الصعاب والهزيمة. شدها ولع أبيها بعلم الصيدلة فالتحقت بكلية الصيدلة جامعة القاهرة وتخرجت منها حتي حصلت علي درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف العليا، قادها تفوقها وأبحاثها والجوائز الدولية التي حصلت عليها أن تتدرج في العمل الأكاديمي حتي أصبحت عميدة كلية الصيدلة بالجامعة الألمانية بالقاهرة ونائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب. وبالرغم من كونها أما لخمسة أبناء متفوقين دراسيا وزوجة أستاذ قدير بكلية الهندسة إلا أنها كانت نموذجا رائعا للقيادة النسائية الناجحة التي استطاعت أن توازن بإدارة جيدة بين مهامها الجامعية الشاقة وبين واجباتها الاجتماعية كزوجة فاضلة وأم حنون. ولم تفعل د.ليلي مثل كل الأساتذة الأكاديميين أو القيادات بتعليق شهاداتها وجوائزها علي جدران مكتبها والتي بالفعل تعتبر مجالا للفخر والتقدير لأي أستاذ جامعي، ولكنها كانت فخورة أكثر بطلابها وأولادها فتجد حوائط مكتبها مزينة بصورهم منذ دخولهم الجامعة وبأعمالهم وأنشطتهم المختلفة المتنوعة حتي وصولهم للتخرج وفرحتها الغامرة. استشعرت في أول مرة تعرفت عليها بمكتبها وهي تسترجع ذكريات صور طلابها كما لو انها مثل الأم التي تحرص علي تجميع صور ألبوم أبنائها بلهفة منذ ولادتهم وفي مراحلهم الدراسية بالمدرسة والجامعة حتي زفافهم. ولقد كان طلابها وزملاؤها يستشعرون هذا الحب والفخر بهم فيضيف لهم من الطاقة الإيجابية والروح العالية لتحقيق المزيد. ولا أتذكر أبدا أن مررت يوما من أمام مكتبها لأجدها بمفردها ولكنها كانت دائما محاطة بكل محبيها من أسرتها الجامعية من الطلاب والزملاء والمعيدين والمعيدات، حريصة جدا علي التفاني في إيجاد حلول لكل مشاكلهم واحتوائهم بكلماتها الرقيقة المطمئنة لهم. فبالرغم من كونها من أم ألمانية، لكني كنت أري فيها شخصية بنت البلد الجدعة أكثر ما أري فيها شخصية أولاد الخواجات.عرفها الجميع بابتسامتها العريضة وبشاشة وجهها لدرجة لما اشتد عليها المرض اللعين كانت حريصة علي أن تخفي آلامها باندماجها أكثر مع أسرتها الجامعية، فأبت أن تستلم أو تضعف لأنها تعودت دائما أن تكون الطاقة الإيجابية المتجددة لكل المحيطين بها. رحمك الله يا د.ليلي وأسكنك فسيح جناته، لقد كنت من الندرة التي تعد علي الأصبع في مجتمعنا الان في زمن فوز السلطة والمال علي أهل العلم والفضيلة، لقد جددت فينا الأمل وأصبحت نموذجا يحتذي به في جامعاتنا المصرية ولما يجب أن يكون عليه أستاذ الجامعة بالتحلي بالاخلاق والقيم وتواضع العلماء وايضا جسدت نموذجا حيويا لنجاح «الإدارة بالحب». أنبكيك يا د.ليلي؟ بل ندعو لك بنعيم الجنة ونرفع قبعاتنا لك احتراما وتقديرا لشخصك الكريم، فبشري وهنيئا لك بنورلا ينطفئ عنك أبدا.