تلقيت هذا الخطاب في بريدي: الأستاذة الفاضلة لميس الحديدي لقد تخرجت في جامعة القاهرة من كلية الإعلام بقسم الصحافة دفعة 2005 بتقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف وبترتيب الأول علي الدفعة، وقد وافق مجلس قسم الصحافة بالكلية، وكذلك مجلس الكلية علي ترشيحي للعمل كمعيد بقسم الصحافة، وعلي الرغم من مرور حوالي سنتين علي ذلك إلا أنه لم يتم التعيين حتي الآن بسبب اللائحة الجائرة التي تتيح تعيين من هم أكثر مني في المجموع التراكمي من سنوات سابقة وبالفعل فقد تم تعيين الثالث والثالث مكرر من الدفعة التي تسبقني (دفعة 2004) وبما يمثله ذلك من ظلم نظرا لمقارنة دفعة بدفعة أخري رغم اختلاف الظروف والمقررات الدراسية والأساتذة، ورغم انتظاري للسنة التي تليها فقد تم مؤخرا تعيين اثنين من الدفعة التالية (2006)، وقالوا لنا مفيش درجات مالية لكم علشان تتعينوا، ويواجه معي هذه المشكلة أربعة من زملائي في نفس الكلية من أقسام مختلفة. لا استطيع مهما بلغت أن أصف مدي المرارة والألم والهوان الذي أحس به في هذه اللحظات، فما أقسي علي الإنسان أن يحس بعد التعب والكفاح والمعاناة أنه لا يساوي أي شيء وأنه كان يحرث في البحر. اليوم واليوم فقط أدركت أنني كنت علي خطأ حينما سعيت للتفوق، أخطأت حينما "طفحت الدم" واتمرمطت وسهرت الليالي علشان أبقي بني آدم، وأنه كان يجب أن أكون تافها عابثا علشان أبقي حاجة في هذا البلد. ولقد عرفت الآن لماذا يخرج الإرهابيون والخونة والمتطرفون من هذا البلد، وعرفت كذلك لماذا يهرب النابغون والمتفوقون من ابناء هذا الوطن إلي الخارج، ليزداد هذا الخارج علما وتقدما في حين نزداد نحن جهلا وتأخرا وتراجعا ونظل فقط نتشدق بالاسطوانة المشروخة وان احنا أصحاب 7000 سنة حضارة واحنا اللي خرمنا التعريفة وإحنا اللي دهنا الهوا دوكو.. إلخ، عرفت لماذا نزرع وهم يحصدون.. لماذا نستورد وهم يصدرون.. لماذا نهدم وهم يبنون.. لماذا نتأخر وهم يتقدمون. وسوف يأتي يوم يكون فيه مليون (عبدالحميد شتا) ذلك الشاب المكافح الذي انتحر بعد أن فوجئ أن التفوق والاجتهاد ليس لهما أي قيمة، وأذكر واقعة أنه في أحد الأعوام رشح أحد الأقسام بالكلية خمسة من المعيدين رغم أنه لم يكن في حاجة ماسة إليهم، وذلك لا لشيء إلا لأن الخامس كان ابن فلان، وماذا يكون شعور الفرد حينما يعرف بهذا الكلام؟ الأستاذة الفاضلة لميس الحديدي لقد ظللت طوال 16 عاما من التعليم وأنا أسمع كلاما جميلا مثل "أنتم شباب المستقبل"، "أنتم هاتمسكوا البلد".. إلخ ولكني أفقت في النهاية لاكتشف أنني لا أمسك سوي الوهم والسراب وخيبة الأمل. بقي أن أقول أنني تذكرت - وأنا أكتب هذه السطور - كلمات ليوسف إدريس "حين يتساوي الجميع المجتهد والغشاش.. المحترم والمزور.. نجد الناس نافضون يدهم من كل شيء.. ساخطون علي كل شيء". كما تذكرت أيضا كلمات أوصتنا بها واحدة من أساتذتي قبل رحيلها عن هذا العالم حيث قالت: "بكره ده بتعاكم وهو حقككم لوحدكم لازم تدافعوا عنه" وقد حاولت طوال 16 عاما من التعليم أن أدافع عنه لكنني للأسف لم أجد من يدافع عني، فقد أضاعوني وأي فتي أضاعوا.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل. شريف نافع إبراهيم فرج الأول علي قسم صحافة خريج كلية الإعلام - جامعة القاهرة دفعة (2005). تعليق الرسالة السابقة أهديها إلي عميدة كلية الإعلام وإلي رئيس جامعة القاهرة وإلي المسئولين عن منظومة التعليم "الراقي" في بلادنا.. تلك المنظومة التي تخرج في النهاية إما شبابا جاهلين بعضهم أميين وإما متفوقين عاطلين كحال شريف. أسوأ الأمور أن تشعر بالظلم.. هذه المرارة لا تخرج سوي غضب وعنف وتطرف.. وهذا وطن أصبح الظلم فيه قانونا، والمحسوبية فيه نظاما والتعليم فيه وهم كبير سيؤدي بنا إلي الجحيم. وأتمني أن تؤرق الرسالة نوم الجميع.. كما أرقتني. أما شريف، فعليك يا بابني بالقطاع الخاص، وانسي الميري والحكومة والجامعة.. تلك تلك جميعا أوهام. عودوا إلينا قرأت رسالة شريف بعد أن عدت من إلقاء كلمة في حفل تخرج المدرسة البريطانية الدولية بالقاهرة وشاهدت 21 طالبا وطالبة أقل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم "يفرحوا قلبك".. قلت لهؤلاء الشباب ومعظمهم سيسافر للخارج لاستكمال الدراسة الجامعية أنهم يجب أن يعودوا.. قد لا يكون الوطن مغريا.. قد لا يكون جميلا وجاذبا في عينهم. لكن في النهاية الوطن.. وعليهم دور أهم في استعادة وجهه الجميل. ثم قرأت رسالة شريف.. وانتابني اضطراب وبلبلة.. في أي وطن نحن؟ في أي زمن وفي أي قانون؟ لكنني أفقت بعد لحظات.. فالتغيير قادم وحال شريف لن يستمر.. والظلم لن يبقي طويلا. نقطة فاصلة وبين هؤلاء الطلبة الخريجين كان عمر النجل الأصغر لمحافظ المركزي د. فاروق العقدة.. عمر هو الأكثر شعبية بين رفاقه وربما الأكثر موهبة.. فقد حصل علي عدد من جوائز التفوق وغني بصوته الجميل أنشودة رائعة أبكت كثيرا من زملائه.. ويحق للمحافظ أن يفخر بابنه وبما وصل إليه.. لم يخل اللقاء من حديث حول المركزي والسياسات النقدية والمصرفية.. لكن الأهم كان عمر.. وله كل الحق.. مبروك. علي نجم.. قد يختلف كثيرون حول أفكاره.. معتقداته.. لكن الأكيد الذي لا خلاف عليه أنه رجل دافع في اللحظة الأخيرة عن إيمانه بأهمية البنوك الوطنية وبرفضه للبيع سياسة مطلقة. علي نجم.. قد ينسي التاريخ أسماء كثيرة، وألقاب كثيرة وأصحاب مناصب وسلطات.. لكنه لن ينسي علي نجم مصري مخلص أحب عمله وأخلص لمعتقداته. "انت اسمك زي ابنتي" هكذا كان يقول.. وهكذا كان لي.. رحمه الله.