منذ أسابيع قليلة رحل عنا الأب الروحي والمربي الفاضل والنموذج الرائع للعديد من شباب مصر والوطن العربي الدكتور محمد عبد الخالق علام الذي شغل مناصب دولية وقيادية متعددة بمصر منذ عام 1952 حتي شغل منصب نائب رئيس الجامعة الأمريكية لشئون الطلاب، وكان أيضا واحدا من أبطال مصر والعالم في الغطس والجمباز. لقد كان دكتور علام رحمه الله مثالا للعطاء والإنسانية لكل من عرفه، حيث كان مثل طاقة النور والأمل لكل المحيطين به من جيل الشباب، أو مرءوسيه أو زملائه بالعمل، ويمثل قصة كفاح ونجاح في المجال التعليمي والتربوي والرياضي. ولد د. عبد الخالق علام عام 1921 بالقاهرة، وعاد من الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1955 بعد حصوله علي درجة الدكتوراه في التربية الصحية لكي يشارك في تأسيس المجلس الأعلي لرعاية الشباب بعد ثورة 1952، ثم شغل منصب مدير عام التخطيط بوزارة الشباب، ثم الجهاز المركزي للمحاسبات عام 1966، وتدرج بعدها في مناصب متعددة كخبير للأمم المتحدة في السودان، وأخيرا بالجامعة الأمريكية. حصل في حياته علي وسام الجمهورية في عهد الرئيس أنور السادات، والدكتوراه الفخرية من جامعة إنديانا بالولاياتالمتحدة وجامعة سوكا باليابان، وله بصمات في جامعات السعودية والخليج؛ في تطوير نظم التعليم وتطبيق نظام الساعات المعتمدة لديها. لقد لعب د. علام دورًا حيويًّا ومؤثرا جدًّا في حياة الألوف من جيل الشباب المحيطين به من مصريين وعرب وأجانب، لم يكن دوره يقتصر علي أداء واجبه المهني فقط، بل لعب أدوارًا متعددة غير رسمية من وحي شعوره الإنساني وحبه للعطاء المتفاني بدون مقابل. فلا يمكن أن نتحدث عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة في أواخر السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات دون الحديث عن د. عبد الخالق علام، فقد كانت لي ذكريات جميلة أثناء دراستي بالجامعة وقتها في منتصف الثمانينيات وجزء كبيرا من هذه الذكريات الجميلة رسمها لنا هذا الأستاذ والمربي الفاضل د. علام، فلم أنسَ أبدا هذا المشهد النشط مع بداية كل يوم بالجامعة وفي تمام السابعة صباحا حيث كان دائما د.علام يحرص علي مزاولة رياضة التنس مع طلاب الجامعة المختلفين بملعب التنس بمبني الجامعة التذكاري بالتحرير، وبعدها يشارك الطلاب بعض الوقت في مجالسهم قبل الذهاب لمكتبه بالجامعة، ويدعوهم لتناول الشاي معه في المنطقة المجاورة لقاعة إيورت التذكارية المعروفة ب "الفونتن إريا" في حلقة نقاش وحديث ممتع من ذكريات وعبر وضحكات رنانة تدخل علينا البسمة والأمل قبل الذهاب لمحاضراتنا، ولا أنسي تشجيعه لنا في الفنون والملتقيات الثقافية للجامعة، فقد كان حريصا علي حضور جميع حفلات الجامعة المختلفة بقاعة إيورت التذكارية، وأشهرها "التالند شو"، وبالرغم من أننا كنا نحترمه جدًّا ونهابه لكننا لا نشعر بأي حرج أو حواجز نفسية تمنعنا من التعبير عن آرائنا معه، ولا أنسي هذا اليوم عندما طلب مني د. علام في إحدي حفلات الجامعة بقاعة إيورت بعدما حصلت علي كأس الجامعة للفنون لتقليد المذيعات وأساتذة الجامعة أن أقوم بتقليده علي المسرح في مشهد أضحك الجميع وأضحكه كثيرا، حتي صار هذا المشهد حديثه عندما نزوره بعد تخرجنا بعشرات السنين. كان لدي د. علام ذاكرة قوية، فكان ينادي كل طالب أو طالبة باسمه، وتسمعه يردد دائما "سلملي علي بابا يا هشام"، أو "تحياتي للأستاذة العظيمة والدتك يا نيفين"، فقد امتدت معرفته بآباء الطلبة في اجتماعات الآباء، ويعرف مشاكل أبنائه من الطلبة، فكثيرًا ما كنا نجده في أوقات متأخرة من عمل يومي شاق بمكتبه يستقبل أبناءه من الطلبة ومن شباب الجامعات بمحافظات مصر ليحل مشاكلهم المختلفة، فيقوم بدور الموجه و"حلال" المشاكل والطبيب النفساني والأب الحكيم والصديق المخلص. وحتي بعد التخرج كنا دائما نلجأ إليه ونستشيره في أمورنا ومستقبلنا الوظيفي، فيقدم لنا المشورة المتمعنة والمخلصة، وعندما كنت أزوره أنا وزوجي في الشاليه الخاص به في قرية البلاح بالساحل الشمالي في فصل الصيف كنت دائما أجد عنده العديد من خريجي الجامعات المصرية والعربية من سفراء أو مستشارين أو أساتذة بجامعات عالمية وشخصيات مرموقة أتوا مثلي بدون ميعاد. رحم الله د.عبد الخالق علام والنماذج المماثلة له، فقد كان بحق نموذجًا عظيمًا يحتذي به شبابنا ومنارة لهم في كل الأوقات، فلك منا كل التقدير والتحية والاحترام يا أستاذنا العظيم.