نجحت قوي المعارضة اللبنانية في إسقاط حكومة سعد الحريري، ولم يبق سوي تبادل الاتهامات والمسئوليات عن السبب في فشل التسوية السياسية التي بدأت محاولات التوصل إليها منذ وقت طويل. ويقول الكاتب اللبناني ساطع نور الدين ان الشكل الذي اتخذته عملية اسقاط الحريري كان مهينا للرجل وما يمثله، فقد تلقي ما يشبه الانذار بالعودة إلي بيروت اثناء زيارته لفرنسا - قبل تركيا - علي وجه السرعة، وفي مهلة زمنية لا تستطيع أي طائرة مدنية - مهما كانت حديثة ومتطورة - اللحاق بها.. ثم تم إبلاغه - بما يشبه الإيحاء - بعدم العودة إلي بيروت عندما صدر مرسوم استقالته وتحديد موعد الاستشارات النيابية. حدث ذلك كله خلال وجوده في باريس! وبعدها، أنهالت تصريحات المعارضين الداعية إلي إسناد مهمة تشكيل الوزارة الي شخصية يرتبط اسمها وتاريخها ب »المقاومة الوطنية«. وتجاهل هؤلاء ان سعد الحريري يمثل الأغلبية البرلمانية حتي الآن.. علي الاقل. والحقيقة ان سعد الحريري سبق ان قبل تنحية قواعد اللعبة الديمقراطية، وارتضي التخلي عن حقوق الأكثرية النيابية في تشكيل الحكومة، ورفض الانسياق وراء أي رغبة في الهيمنة أو عزل الآخر، والتزم بتغليب منطق التوافق والعقل علي عوامل الاحتقان والتشنج. وها هو اليوم يواجه عاصفة سياسية في الاتجاه المعاكس. ويبدو أن هناك توجها لدي البعض بأن في مقدوره ان يلغي الآخر. غير انه من الواضح ان الحريري ليس مستعداً للخضوع للضغوط ولن يقبل بالتفريط في صلاحيات رئاسة الحكومة. والمعروف ان قوي 41 إذار (مارس) تتمسك بان يكون الحريري رئيسا للحكومة الجديدة، وتعلن رفض الخضوع لابتزاز الفريق الآخر (فريق 8 آذار)، بل وصل الأمر إلي حد تأكيد مصادر في كتلة »المستقبل« - التي يتزعمها الحريري - بان تكليف شخصية أخري غيره بتشكيل الحكومة المقبلة يعني وضع الطائفة السنية خارج الحكم، لأن الحريري هو الممثل الوحيد للسنة في لبنان! ليس من المعقول ان يتم اسقاط الحكومة بذريعة عدم إدراج هذا البند أو ذاك في جدول الاعمال. وليس من المعقول ان يتم تعطيل الدولة لفرض رأي معين. ويتردد في أوساط قوي 8 آذار ان المعارضة وضعت »دفتر شروط« لكنها لم تغلق الابواب، بشكل نهائي، أمام كل الاحتمالات والخيارات »وبالتالي لا مشكلة في عودة الحريري إلي رئاسة الحكومة إذا قبل بدفتر الشروط«!! والرأي السائد في دوائر المعارضة اللبنانية ان مقتل رفيق الحريري، رئيس الوزراء الراحل، تم علي يد »الامبريالية وأعوانها من عملاء الداخل«، وان »المشروع الاستعماري« يتمثل في استصدار القرار رقم 9551 من مجلس الامن بهدف نزع سلاح حزب الله اللبناني، وان السفير الامريكي السابق في بيروت »جيفري فيلتمان« توعد حزب الله بتمزيقه »وكان يقصد بذلك قرار الاتهام الذي سيصدر من المحكمة الدولية«، وان »مؤامرة« قرار الاتهام هي الفصل الخامس في مسلسل يجري تحت اسم »محكمة الحريري الدولية«! كان المطلوب من حكومة سعد الحريري الانقلاب علي الدولة وعلي العدالة عن طريق الاستسلام امام التهويل والترهيب بالسلاح والمسلحين.. وكان المطلوب ان ترتمي الحكومة علي أعتاب ممثلي طائفة مسلحة حتي الاسنان طالبة المغفرة في مقابل الفوز بالسلامة والأمان! لم يدرك الذين نصبوا انفسهم اعداء للعدالة والمحكمة الدولية أن زمن الافلات من المحاسبة علي ارتكاب الجرائم السياسية قد انتهي، وان السكوت علي تلك الجرائم وقيدها كلها ضد مجهولين لم يوقف الاغتيالات بعد سقوط أول الشهداء »كمال جنبلاط« في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وان عدم التوصل الي معرفة القتلة سيؤدي إلي استمرار الاغتيالات الي مالا نهاية. وقد سبق للمعارضة اللبنانية ان نجحت في شل حكومة فؤاد السنيورة واغلاق ابواب مجلس النواب بطرق غير مشروعة. والهدف الأول والأخير لهذه المعارضة الآن هو اسقاط المحكمة الدولية عن طريق وقف تمويلها وسحب القضاة اللبنانيين منها اما الغاء المحكمة نفسها.. فأن ذلك يتجاوز قدرة هذه المعارضة. وتتركز جهود المعارضة اللبنانية - في الوقت الحاضر - علي محاولة تجميع الاصوات لتشكيل اغلبية برلمانية تمنحها الثقة، وتكون هذه الاغلبية من كل المذاهب والمناطق، ولا مانع من ان تعرض علي قوي 41 آذار المشاركة في الحكومة، ولكن بنسبة تمثيل أقل من النسبة التي تتمتع بها في الحكومة الحالية.. فأذا رفضت ذلك تكون قد ابعدت نفسها بنفسها عن المشاركة وفضلت الانتقال الي مقاعد المعارضة. وثمة تكهنات بان المعارضة يمكن أن تذهب الي ماهو أبعد من ذلك في حالة رفض رئيس الجمهورية الموافقة علي حكومة من لون واحد، أي لا تنطبق عليها صفة حكومة وحدة وطنية.. ففي هذه الحالة، قد يكون لقوي 8 آذار والمتحالفين معها.. موقف من رئيس الجمهورية نفسه بحيث تتحول الازمة الوزارية - التي يستعصي حلها - إلي أزمة حكم.. ويصبح مصير الرئاسة الأولي.. مطروحاً للبحث! ونجاح المعارضة في تحقيق هذه الطموحات يتوقف علي رئيس »اللقاء الديمقراطي« النائب وليد جنبلاط. فالمعروف أن قوي 41 آذار تسيطر علي ستين مقعداً في البرلمان - من اصل 821 - في مقابل 75 نائبا لقوي 8 آذار. ويبلغ عدد اعضاء »اللقاء الديمقراطي « 11 نائبا. وتحتاج المعارضة الي ثمانية نواب اضافيين لتتمكن من توفير الغالبية العادية (النصف زائد واحد)، غير ان الاعضاء الأحد عشرة في »اللقاء الديمقراطي« منقسمون بين مؤيدين لوليد جنبلاط وآخرين ينخرطون مع قوي 41 آذار. وإذا تمكن وليد جنبلاط من حمل الاعضاء في »اللقاء الديمقراطي« علي الوقوف مع المعارضة.. فأن ذلك سيرجح كفة المعارضة. غير أن نجاحه في هذه المحاولة لن يكون مؤكداً أو مضموناً، كما أنه لم يصرح، حتي الآن، بانه يعارض تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة الجديدة. نجحت المعارضة - حتي الآن - في قطع الطريق أمام المحكمة الدولية، بمعني أنه لا توجد جهة في لبنان يمكن ان تتعامل مع المحكمة في ظل غياب حكومة تتولي إدارة شئون البلاد، وليست مجرد حكومة »تصريف أعمال«! وإذا تمكنت قوي 8 آذار والمتحالفون معها من تشكيل حكومة تحظي باكثرية نيابية.. فأنها ستكون حكومة سحب لبنان من المحكمة الدولية واعتباره غير معني بما يصدر عنها، كما يقول المحلل اللبناني اميل خوري. وما يذكر أن اتفاق الدوحة يمنع استقالة الحكومة أو الوزراء منها، لأنها حكومة استثنائية لظروف استثنائي، ولكن قوي 8 آذار انتهكت هذا الاتفاق. وكانت هناك مخاوف من ان يؤدي قرار الاتهام المرتقب صدوره من المحكمة الدولية إلي تفجير ازمة وزارية عند صدوره، ولكن الازمة سبقت اعلان قرار الاتهام. ومن أهم تداعيات ونتائج استقالة وزراء حزب الله والمتحالفين معها من الحكومة.. انتهاء مرحلة التفاهم في العلاقات السعودية - السورية - وليس من المؤكد ان التفويض الذي حصلت عليه الرئاسة الفرنسية من أمريكا لإيجاد حل للازمة اللبنانية سيحقق نتائج إيجابية في لبنان حتي لو اطلقت مبادرة فرنسية لقمة تشارك فيها السعودية والولايات المتحدة وسوريا الي جانب لبنان وفرنسا.. فالواضح ان سوريا ليست مستعدة للتجاوب مع أي مبادرة للتسوية.. ذلك انها تري أن الاوراق في يدها، وهي لا تريد ان تتقاسمها مع فريق آخر، فهي - سوريا - مازالت تعتبر ان لبنان كان وسيبقي شأنا داخلياً سورياً لا يحتمل المساومة! فهل يدخل لبنان النفق المظلم.. مرة أخري؟