أعتقد أن الدستور وضع البرلمان في مأزق بهذه المادة ، ولا أدري كيف سيتعامل البرلمان معها . ولكن المؤكد أن كل يوم يتأخر فيه انعقاد البرلمان سيؤدي لتفاقم المشكلة توقفت كثيرا أمام نص المادة 156 من الدستور ، فبمقتضي هذه المادة يكون البرلمان ملزما أن يبت في كل القرارات بقوانين التي صدرت خلال الفترة من يونيو2012 حتي 2015 . وهي فترة مر بها 3 رؤساء ، محمد مرسي وعدلي منصور واخيرا عبد الفتاح السيسي . وكل منهم أصدر قرارات بقوانين ، وهي تدور حول نحو80 قرارا بقانون . وهذا طبيعي جدا. أما غير الطبيعي ، فهوأن المادة 156 نصت علي أنه يجب عرض هذه القرارات بقوانين علي المجلس خلال 15 يوما فقط من تاريخ انعقاد البرلمان ، فإذا لم تعرض خلال تلك الفترة أوعرضت ولم يقرها مجلس النواب ، زال بأثر رجعي ماكان لها من قوة القانون دون الحاجة لإصدار قرار بذلك إلا إذا رأي المجلس إنفاذها أوتسوية ماترتب عليها من آثار . وهذه المادة كفيلة بإسقاط كل القرارات بقوانين التي صدرت ودخلت حيز التنفيذ بالفعل خلال العامين الماضيين .. وبعضها قوانين مهمة للغاية وترتب علي تطبيقها معاملات مالية كثيرة ، ووضعت كأساس في إقرار الموازنة العامة للدولة ، فمثلا قانون الحد الأقصي للأجور ، قد يري مجلس النواب إلغائه اوتعديله ، وقد لايسعفه الوقت لمناقشته ، وقد يحتاج بمفرده إلي أكثر من 15 يوما لمناقشته ، فقد حضرت مناقشات مجلس الوزراء في 2011 خلال جلسات عدة وفي كل جلسة كانت تواجهنا مشكلة جديدة ، وبالذات في مجالي الاتصالات والبنوك ، وحينما تم تطبيق القرار بقانون هربت بعض الكفاءات من هذه القطاعات ، وكان البعض يري أن يتم استثناء هذين القطاعين من القانون ، وحينما يتم طرح الأمر مرة أخري علي البرلمان القادم سوف تعاد كل تلك المناقشات مرة اخري ، وهي محل خلاف كبير وجدل ، وقد لايتم حسم هذا القانون وحده خلال 15 يوما . وإذا حدث ذلك أورفضه مجلس النواب أوقام بتعديل الحد الأقصي أصبح واجبا إزالة كل ماترتب علي هذا القانون بأثر رجعي ، وهذا يعني رد مبالغ ضخمة لمن تضرروا من هذا القانون . والإستثناء الوحيد في المادة أن يكون مجلس النواب قد نص في قراره الا يتم تسوية ماترتب من آثار ، وهذا أمر قد يكون مستبعدا ، فإذا رأي المجلس أن القانون كان ظالما أوجائرا ، سوف يكون صعبا عليه إقرار ماترتب من آثار . وهذا القانون فقط مجرد مثال ، ولكن هناك قوانين كثيرة اخري ، فقانون التظاهر مثلا الذي قامت الدنيا ولم تقعد بسببه ، واصبح محل مزايدات كثيرة في الداخل والخارج رغم أنه يشبه إلي حد بعيد قوانين في بلاد اكثر ديمقراطية ، قد يتم إلغاؤه تلقائيا إذا لم يعرض علي البرلمان خلال 15 يوما ، وكذلك قانون الإحالة للقضاء العسكري في حالات الإرهاب الذي صدر مؤخرا ، وعشرات من القوانين التي صدرت منذ 30 شهرا وحتي تاريخ انعقاد البرلمان بعد عدة شهور . ولاأدري كيف سيواجه البرلمان القادم هذه المشكلة ، وهوبرلمان يصعب جدا تحديد هويته مسبقا ، ولا أظن أن الأمور ستسير فيه بسهوله . ولانغفل هنا أن البرلمان يستغرق جلساته الأولي في إجراءات تشكيل اللجان وانتخاب الرئيس والوكيلين ووضع القواعد التنظيمية له في إطار الدستور الجديد ، فلا يمكن أن يبدا البرلمان عمله قبل إقرار لائحة جديدة تتفق مع الدستور الجديد . كما يجب عليه طرح الثقة في الحكومة خلال جلساته الأولي . ولا أظن أن هذا سيتم خلال أقل من أسبوع من تاريخ الإنعقاد ، وهذا يعني ببساطة أن البرلمان لن يكون أمامه إلا أسبوع واحد فقط لإتمام مهمته الدستورية بمراجعة عشرات القرارات بقوانين التي صدرت خلال فترة حكم رئيسين سابقين ورئيس حالي . وحتي لوانعقدت جلسات المجلس ليلا ونهارا لإتمام تلك المهمة سيكون من المستحيل إنجازها، فأعضاء البرلمان القادم بشر لديهم قدرة إحتمال ، وإقرار قانون ليست بالمسألة السهلة وتحتاج تفكير وتركيز . وكل نائب وراءه كتلة من الناخبين يسعي لإرضائهم . وبالتالي لايمكن بأي حال من الأحوال إقرار كل القرارات بقوانين والتي صدرت خلال السنوات الماضية في ظل غياب البرلمان . ولوتم إقرارها تحت أي ظرف سوف يخسر البرلمان سمعته في أول 15 يوما ، وسيوصف بانه مجلس لسلق القوانين وليس لإقرارها . أعتقد أن الدستور وضع البرلمان في مأزق بهذه المادة ، ولا أدري كيف سيتعامل البرلمان معها . ولكن المؤكد أن كل يوم يتأخر فيه انعقاد البرلمان سيؤدي لتفاقم المشكلة . وأعتقد أن علينا أن نفكر قليلا في تلك المشكلة التي قد يترتب عليها شلل في الحياة السياسية والإقتصاديه بمصر .