كنت قد أنهيت مقالة الأسبوع الماضي عن سيوة نهاية درامية فيها تشويق بالوقوف عند مفاجأة لم أكشف عنها. لذا كان من المفترض أن ابدأ هذه المقالة بالكشف عن هذه المفاجأة. لكن ردا جاءني من الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار أفسد عليّ التخطيط السابق للكتابة. فأجدني مضطرا لنشر الرد أولا. وربما يزيد ذلك من التشوق لمعرفة المفاجأة التي وقفت قبل الكشف عنها. تحدثت في مقالة الأسبوع الماضي عن استغلال جزء من قرية سيوة القديمة الأثرية المعروفة باسم " شالي " كفندق، وعن بيع أبوابها ونوافذها، وعن ترميم معبد الوحي بسيوة باستخدام الحديد والخرسانة. كتب لي الدكتور زاهي حواس في رده ما يلي: " أولا قرية شالي الأثرية: قرر السيد فاروق حسني وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلي للآثار إخضاع القرية لقانون حماية الآثار بمقتضي القرار رقم 221 الصادر في 52/2/8002. طبقا لهذا القرار فإنه لا يجوز منح رخص للبناء في الموقع أو الأراضي الأثرية وشق القنوات أو الطرق أو الزراعة أو رفع أنقاض أو أخذ أتربة أو رمال وغير ذلك من الأعمال التي يترتب عليها تغيير في معالم المواقع أو الأراضي الأثرية إلا بترخيص من المجلس الأعلي للآثار وتحت إشرافه«. " وبخصوص الفندق المشار إليه والمقام بالقرية فقد تمت إقامته قبل إخضاع منطقة شالي لقانون حماية الآثار، وقبل صدور القرار الوزاري في فبراير 2008. كما وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في 3/21/7002 من حيث المبدأ علي المشروع المقدم من الحكومة الإيطالية بالتعاون مع محافظة مطروح بشأن إعادة تأهيل المباني القديمة لقرية شالي بواحة سيوة. ويجري إعداد الدراسات الخاصة بالمشروع لعرضها علي المجلس بعد الانتهاء منها واتخاذ القرارات المناسبة. ومن الجدير بالذكر أن قرية شالي تقع علي مساحة مقسمة لجزأين وهي عبارة عن أطلال لمنازل القرية القديمة بجزأيها الشرقي والغربي، وترجع القرية للقرن السادس الهجري والثاني عشر الميلادي، وتتميز بمادة البناء الأساسية المعروفة باسم القرشيف أي الطين المحلي المخلوط بالملح ومن أهم عناصرها المتبقية المسجد العتيق«. " ثانيا : بخصوص معبد آمون في سيوة والترميمات الموجودة به ووجود قاعدة خرسانية وسط القاعة الوحيدة الباقية، فإن هذا الترميم يرجع لعام 1998 وقام به المعهد الألماني من خلال الدكتور كولمان، وهو من أكبر علماء الآثار الألمان بالأسمنت. لكنه لحماية المعبد من خلال الخرسانة الضرورية حتي يمكن تأمينه وبقاؤه واستمراره. وأنا كأثري موافق علي هذا الحل باعتباره الحل الوحيد والمتاح لإنقاذ المعبد من الانهيار. وأنه لولا هذا الترميم لسقط وتهدم. وبالطبع فإن أعمال الترميم لا يدركها إلا الأثريون والمرممون. وأما ما تم مؤخرا من أعمال ترميم فقد جري علي أحدث ما وصلت إليه نظم الترميم في العالم. وتتسم بأنها غير ظاهرة للعيان حيث تم تدكيك وحماية الجبل الذي كان في حالة سيئة جدا. وكان مهددا بالانهيار نظرا لطبيعة التكوين الجيولوجي لصخور الجبل«. " ثالثا : فيما يخص عدم وجود حراسة فإنه يوجد بمنطقة آثار سيوة حوالي خمسة وسبعين حارسا ومراقبا ومشرف أمن، وهو عدد كاف لمتابعة العمل والحراسة بالمنطقة وتأمينها. كما أننا زودنا منطقة سيوة بسيارات دفع رباعي تستطيع التعامل مع البيئة الصحراوية والجبلية فضلا عن وجود مخزن مطور للآثار ". أود بالطبع أن أشكر الدكتور زاهي حواس علي اهتمامه بالرد علي ما كتبته، وهو الرد الذي أكد ما ذكرته فيما يتعلق بما حدث في منطقة شالي ومعبد آمون وإن برره. وأرجو أن يسمح لي بالتعليق الآتي : برر الدكتور زاهي وجود الفندق في منطقة شالي بأن إقامته بدأت قبل إخضاع المنطقة لقانون الآثار. ولا يزال الفندق مقاما حتي الآن ويعمل. وهو يمثل تغييرا لمعالم منطقة أثرية بدلا من القول بأنه يشوهها. فهل قانون الآثار يسمح باستمرار الفندق بعد تسجيل المنطقة كأثر ؟ هل الفندق أقوي من القانون ؟ هل العلاقة بين مالك المنطقة، وهو هنا المجلس الأعلي للآثار، والفندق علاقة مثل الزواج الكاثوليكي لا تنتهي إلا بالموت ؟ كما نريد أن نعرف : من تعاقد مع صاحب الفندق لإقامته في شالي قبل تسجيلها كأثر ؟ وهل تغيرت العلاقة التعاقدية بعد تسجيلها ؟ أي بعد أن أصبح المجلس الأعلي للآثار هو المالك.. يا صديقي الدكتور زاهي، نحن نذكر أن الدكتورة نعمات أحمد فؤاد أقامت قضية علي وزارة الثقافة وكسبتها في القضاء الإداري بمرحلتيه المحكمة الإدارية والمحكمة العليا ضد إقامة فندق في منطقة باب العزب الأثرية بالقاهرة. لم يكن الفندق قد أقيم كما تعلم، لكنها كسبت القضية ضد الفكرة، والمشروع!! فما بالك بفندق يعمل مقام داخل منطقة أثرية تذكر سيادتك هنا أنها تعود للقرن السادس الهجري والثاني عشر الميلادي وتتميز بمادة البناء.. الخ. كما تذكرنا مشكورا بتبعات تسجيل منطقة كأثر طبقا للقانون، وهي تبعات تتعارض تماما مع إقامة الفندق. فماذا لو قام أحدهم اليوم برفع قضية أخري أمام القضاء الإداري ذاته ضد المجلس الأعلي للآثار بسبب سماحه بإقامة الفندق في منطقة مسجلة كأثر ؟ ولماذا ننتظر أحكام المحاكم ؟ يا صديقي، دعني أكررها ثانية : لا يجب استمرار هذا الفندق. أنتظر منك وأنت في موقعك أن تأخذ هذا الموقف. إذا كان قانون الآثار يبرر استمرار الفندق بعد تسجيل المنطقة كأثر فلتذكر لي من فضلك النص الصريح لهذه المادة في القانون. يكفي أنه تم السماح باستمرار الفندق منذ صدور قرار تسجيل المنطقة كأثر في بداية عام 2008 وحتي الآن. أي يكفي السماح بالاستمرار في الاعتداء علي الأثر أكثر من عامين.. هذا فضلا عن أن خبراء التنسيق الحضاري الذين زاروا المنطقة كتبوا في تقريرهم أن الفندق يشوه واجهة المنطقة الأثرية. يجب أن يترك هذا الفندق هذا الأثر، وفورا.. مع ضرورة ترميم الواجهة الأثرية لإعادتها إلي أصلها قبل وقوع التشوهات التي أقامها الفندق عليها. كما ذكر الدكتور زاهي مشروع مقدم من الحكومة الإيطالية بالتعاون مع محافظة مطروح بشأن إعادة تأهيل المباني القديمة لقرية شالي بواحة سيوة. لم أفهم معني إعادة تأهيل ؟ فالقرية مسجلة كأثر، والذي يجب أن يحدث لها هو ترميم علمي أثري دقيق وليس إعادة تأهيل. إعادة تأهيل تفهم علي أنها الإعداد لإعادة استخدام القرية في السكن وربما في التجارة ؟ فهل المقصود أن المشروع سيعيد سكانا إلي القرية ليناموا فيها ويأكلوا ويشربوا ويدخلوا الحمامات ؟ فإذا صح هذا تكون المسألة واضحة : فبدلا من إخلاء القرية من الفندق يعود السكان الي القرية، وبالتالي تسقط حجة المطالبة بإخلاء الفندق ؟؟ ولو صح هذا ستكون فكرة عبقرية جديدة في بابها. لكن هذه الفكرة لو صحت ستكون سابقة تحدث لأول مرة وستفجر مشاكل كبيرة. أقولها باختصار. وأنا في انتظار توضيح مشروع الحكومة الإيطالية ومحافظة مطروح. أرجو من السيد اللواء أركان حرب أحمد حسين محافظ مطروح، الحريص علي سيوة، أن يتكرم بموافاتي بنسخة من مشروع التعاون الذي أبرمته محافظة مطروح قبل أن يعين سيادته محافظا لها لنعرف ما هو المقصود بإعادة التأهيل في هذا المشروع الذي لم تنته الدراسات الخاصة به منذ نهاية 2007. ليس هذا هو المشروع الأول للحكومة الإيطالية في سيوة. ففي أكتوبر عام 2002 تم إعداد تقرير مطول من 169 صفحة عن " المرحلة الثانية من برنامج التعاون المصري الإيطالي البيئي لمشروع تحسين بيئة واحة سيوة ". لدي نسخة منه باللغة الإنجليزية. أتمني أن نعرف النتائج النهائية لهذا المشروع. وبخاصة وقد زرت مدينة سيوة والقري التابعة لها وكل محمياتها الطبيعية. أما عن معبد آمون وحراسة الآثار في سيوة فسأعلق عليهما في الأسبوع القادم إن شاء الله.