لم أنته بعد من رحلة سيوه. ما زالت أمامنا إمكانيات أخري كثيرة ومهدرة علي مساحات شاسعة من بلدنا العظيم المظلوم من أهله. مع ذلك وصلتني رسائل عديدة تعلق علي المقالات الأربع السابقة. أنشر بعضا منها اليوم حتي لا تتراكم أكثر من ذلك. أبدأ بشكر القراء الأعزاء، وبخاصة من أهالي سيوه، الذين أرسلوا رسائل تحية أو إعجاب. لفتت نظري ثلاث رسائل من مصريين مهاجرين في أوربا وكندا واستراليا تحمل سؤالا واحدا: كيف نزور سيوه؟ لم أعرف الإجابة لأدلهم عليها. هذا السؤال يدل علي ما أشرت إليه من تقصير شديد في التسويق السياحي لسيوه. أنا شخصيا لا أعرف شركة سياحة تنظم رحلات إليها. لابد أن هناك واحدة أو أكثر. لكني لم أطالع أية إعلانات، علي كثرة إعلانات شركات السياحة، تتحدث عن سيوه. أعرف فقط أنه يمكن تنظيم الزيارة عن طريق الفنادق القليلة هناك. كما أعرف أن هناك مجموعة علي شبكة الفيس بوك خاصة بسيوه وتنظم زيارات إليها انطلاقا من الإسكندرية بسعر التكلفة. وبالمناسبة فأنا أحيي هذه المجموعة التي انضممت إليها وتزودني باستمرار بمعلومات قيمة. من هذه الرسائل رسالة القارئ صلاح الديب الذي يعيش في كندا مع زوجته الكندية. كتب لي: " زوجتي تحب مصر وتريد زيارة سيوه والترويج لها بين الكنديين لزيارتها. ولا نعرف كيف نذهب إليها من القاهرة ". فيا وزير السياحة، ويا رئيس غرفة شركات السياحة، اهتما بسيوة لكي يعرف أي إنسان يريد زيارتها كيف يزورها. وعن إهمال سيوه كتب لي أحد الزملاء القدامي الذين عملوا معي في صندوق التنمية الثقافية، هو الدكتور جودت عبد الحميد يوسف، الباحث في مجال التراث التشكيلي الشعبي وبخاصة في النوبة القديمة وسيوه. وهو من الباحثين القلائل الذين قاموا بتسجيل ودراسة عمارة سيوه وتراثها في الفترة ما بين عامي 1966 و 1969. أرسل لي رسالة ذكرني فيها بتقصيري أنا شخصيا تجاه سيوه. هو لم يقل ذلك صراحة أدبا منه، ولكن هذه هي الحقيقة. ذلك أنه تقدم لي في أكتوبر 1994 بدراسة مصورة تحت عنوان " في مجال التنمية الثقافية.. مشروع إنشاء مركز ثقافي وحرفي في واحة سيوه ". ولم يتحقق هذا المشروع. لا اذكر الآن أية تفاصيل عن هذه الواقعة التي ذكرني بها الدكتور جودت، وأنا أعتذر هنا بأثر رجعي رغم عدم جدوي الاعتذار المتأخر. المهم أن الدكتور جودت سرد في رسالته تاريخا من اللاجدوي متعلق بسيوه، بدأه بدراسته السابقة، ثم دراسة أخري أعدها أيضا وضمنها بعض الاقتراحات التي تفيد الجانبين التراثي والاقتصادي لسكان سيوه. أرسل هذه الدراسة في أواخر أكتوبر 2003 إلي الفريق محمد الشحات محافظ سيوه في ذلك الوقت. يقول جودت: " وقد فاجأني المحافظ باتصال تليفوني فوري أشاد فيه بما جاء بالدراسة من معلومات. وذكر أنه في حاجة إلي مثل هذه الخبرات. وكان هذا هو الاتصال الأول والأخير "! والحمد لله أنني لم أقم بأي اتصال فوري بالأخ جودت. يبدو أنه يحتفظ بكل المقالات التي نشرت عن سيوه في الصحافة المصرية منذ 2004 وحتي الآن. منها سلسلة مقالات للدكتور زاهي حواس في أبريل ومايو 2004 ومقالة لمحمود القيسوني ومقالتان للدكتور عمرو عبد السميع لم أكن قد قرأتهما لكن لفت نظري التشابه بين عنوان المقالة الأولي وبين عنوان مقالاتي هذه. كان عنوان مقالة عمرو:" سيوه نموذجا للهدر "! ثم سلسلة مقالات أخري لصلاح منتصر في مارس 2007. ويضيف جودت " حينما نشرت في أوائل 2005 بعض التصريحات الصحفية للوزير الفنان فاروق حسني حول تكليف المجلس الأعلي للآثار بترميم بلدة شالي القديمة، قمت بإعداد تقرير مصور بشأن ترميم شالي، تضمن عددا من الصور النادرة لشكل البلدة القديمة في بدايات القرن الماضي، حيث كانت تمثل البلدة الحصن قبل بدء انهيارها. وقد أرسلت هذا التقرير علي مكتبه. وفي اتصال تليفوني مع معاليه في يناير 2006 طلب نسخة أخري من التقرير. فأعدت كتابته بإضافات ومقترحات جديدة حول إعادة بناء جزء صغير من شالي القديمة ". وبعد هذا السرد من الكتابات المهدرة حول سيوه، أرجو ألا تضاف إليها هذه السلسلة من مقالاتي عنها. ربما يفيد هنا موقعي كرئيس للجهاز القومي للتنسيق الحضاري. ويسعدني أن أذكر أن محافظ مطروح الحالي اللواء أركان حرب أحمد حسين كتب لي عقب نشر المقالة الأولي طالبا مشاركة الجهاز في تنفيذ بعض المشروعات العمرانية هناك وقد أجبت عمليا بإجراءين: الأول: تشكيل لجنة علمية تضع حدودا واشتراطات للحفاظ علي المنطقة التراثية في سيوه طبقا للقانون 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية. الثاني: صياغة مشروع اتفاق تعاون بين الجهاز والمحافظة لتنفيذ مشروع تنسيق حضاري في قلب مدينة سيوه. لكن سيوه تحتاج مشروعا متكاملا لتنميتها، أرجو من الأستاذ الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الاهتمام به علي غرار اهتمامه بمدينتي الأقصر ورشيد. كما تلقيت رسالة أخري من القارئ العزيز الأستاذ الدكتور صالح لمعي أستاذ العمارة الإسلامية قال فيها: " تابعت باهتمام مقالاتكم عن واحة سيوه وبخاصة عن أعمال الترميم التي تمت هناك وما أشرت إليه من استخدام الأسمنت فيها. في الحقيقة أن بداية الإشارة الي عدم استعمال الأسمنت البورتلاندي في أعمال الترميم أشرت أنا إليه لأول مرة في المؤتمر الدولي للقاهرة التاريخية في ديسمبر 1980 والذي دعت إليه وزارة الثقافة في عهد الوزير منصور حسن. وكان رئيس هيئة الآثار المصرية آنذاك هو المرحوم الدكتور شحاته آدم. وعقد هذا المؤتمر بالاشتراك مع اليونسكو والايكروم ( المركز الدولي لصيانة وترميم المقتنيات الثقافية ). كانت الإشارة الي الأسمنت عندما عرضت إحدي المؤسسات الأجنبية في مصر لأعمال ترميم تمت بالقاهرة التاريخية. مما دعاني الي شرح الأضرار الناتجة عن استعمال الأسمنت في المباني الأثرية، وضرورة استعمال المونة الجيرية لتوافقها مع طبيعة الأحجار. وكان حاضرا الأستاذ الجليل عبد الرحمن عبد التواب والأستاذ الدكتور يحي الزيني أطال الله في عمريهما. كما كان من الحضور مدير الايكروم وشيخ المرممين الإنجليز سير برنارد فيلدن الذي أكد ذلك للحاضرين. أشار الي وجود دراسات عن هذا الموضوع في الايكروم. " نشر جيورجيو توركا كتابا بعنوان " مواد البناء المسامية " صدر عن الايكروم عام 1988. في هذا الكتاب تحدث توركا عن أضرار استعمال الأسمنت البورتلاندي في المباني الحجرية الأثرية، وعن الأملاح التي تتكون خلال عملية التصلب والأضرار المتعددة سواء إذا كانت لونية أو أملاحا. كما أنها مادة صلدة لا تتوافق مع الخصائص الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية للأحجار. وبشكل عام فإن استعمال الخرسانة الأسمنتية في أعمال الترميم يجب أن يؤخذ بمنتهي الحذر والحرص وبعد دراسة عميقة متخصصة من خلال مهندسين متخصصين علميا في أعمال الترميم ولهم خبرة طويلة في الترميم المعماري حيث إن الأثر ليس مكانا للتدريب والتجارب. وفي الختام أذكر أن المؤتمر في عام 1980 اصدر ضمن توصياته عدم استعمال الأسمنت في الترميم، والتأكيد علي استعمال المون التقليدية التي أساسها الجير العادي أو المائي ". ولعل برسالة الدكتور صالح لمعي يكون موضوع الترميم الخاطئ الذي تم في معبد الوحي أو معبد الإله آمون بسيوه قد حسم. فهل سنري تصحيحا له؟؟ ونواصل الأسبوع القادم إن شاء الله استكشاف الإمكانيات المذهلة والمهدرة في سيوه.