كان صديقي"..لم يجد"د.زاهي حواس"الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار سوي هذا الوصف ليطلقه علي والده الذي توفي حينما كان "د.زاهي"في الثالثة عشرة من عمره، إلا أنه استقي منه صفات وتعاليم صنعت منه"راجل"حسب قوله. عباس عبد الوهاب حواس.. رجل ذو كلمة مسموعة عند الجميع في قريته "العبيدية" بدمياط، الكل يهابه لا خوفا منه بل احتراما له، ذو شخصية قوية، وإن كان لم يحصل علي شهادة، إلا أنه كان يقرأ ويكتب حيث تلقي قدرا معقولا من التعليم في كتاب القرية. يقول"د.زاهي"حواس: كنا نمتلك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ولم يكن والدي يرغب في أن تكون لي أية علاقة بالأرض ولا الزراعة، "المهم تخليك في دراستك" هكذا كان يقول لي،أتذكر كل لحظة قضيتها معه، ولأنني ابنه الأكبر كان يصطحبني معه في أي مكان يذهب إليه،لم يكن له أي تأثير علي تخصصي كأثري، إلا أنه كان يدفعني للأمام دائما وتنبأ لي بمستقبل باهر. لا أنسي قوله لي ذات يوم: هانصحك نصيحة مهمة تنفعك طول عمرك، أوعي تحط صباعك تحت ضرس حد، قلت له مش فاهم، قال لي:يعني دايما تبقي صح وأمين وما تخافش من حد، كده هتبقي شجاع طول عمرك وتنام مطمئن ومغمض عنيك حتي لو قالوا لك فيه مصيبة ،مش هتخاف لأنك ما عملتش حاجة غلط. والدي - كما يقول حواس - كان يعلمنا من خلال المواقف لا الكلام فقط،في أحد الأيام كنت أركب الحصان وراءه وقابلنا أحد أصدقائه، نزل ليسلم عليه وتركني فوق الحصان الذي انطلق فجأة مسرعا ولم يتوقف الا بعد كيلو متر، لأقع علي الأرض وأصاب بجرح في رأسي آثاره باقية حتي الآن، ورغم خوفه علي الا أنه قال لي:أزعل قوي لو كنت خفت يا زاهي من الحصان،لازم تبقي شجاع وراجل وتتعلم تتحكم فيه. اذا كان"د.زاهي"يمتلك قدرة فائقة علي السرد والحكي بطريقة جذابة ومشوقة تشد الانتباه، فالفضل في ذلك يرجع الي والده الذي أراد أن يعلمه كيف يكون"حكاي"- هكذا قالها، عهد به وهو صغير الي شيخ يدعي"الدسوقي" يحكي له "ألف ليلة وليلة"،وكان حواس يذهب اليه في رمضان بعد الافطار ليستمع منه وهو يروي الحكايات بطريقة تتسم بالتشويق والاثارة وجو المغامرات وهو ما كان محببا بشدة الي نفسه. يأخذ"د.حواس" علي والده أنه كان متسرعا ويغضب بسرعة وربما يكون ذلك بسبب أنه كان لا يقبل الإهانة أبدا أو المساس بكرامته وهو ما لا يحتاج الي تروي من وجهة نظره بل سرعة الرد حتي تأخذ حقك من الشخص الذي أهانك . "محمد حواس"شقيق د.زاهي وأحد رجال التعليم في دمياط،يقول: توفي والدنا رحمه الله وعمره 32 عاما،كان محبا للخير ومساعدة الناس الغلابة حتي أنه كان يزوج الفتيات غير القادرات بل ويبني البيوت أحيانا للفقراء لأنه كان ميسور الحال ويري أن مساعدة الآخرين واجبة ولا أنسي مشهد جنازته التي لم تشهد قريتنا لها مثيلا من الأعداد الغفيرة التي حضرتها من أهالي القرية.