تمر السنين ويعلق بذهنك عدد قليل من الأحباء والأصدقاء والعميد مهندس فؤاد الطودي واحد منهم. كانت أول مقابلة معه في عام 1953 - بعد الثورة - اذكر الحديث الشريف " الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " - كنا علي ظهر سفينة جمهورية مصر (سجم) فوزية التابعة للقوات البحرية وتغير اسمها بعد الثورة الي القصير وكانت تقوم بتموين قواتنا في خليج العقبة المقفول تماما علي المصريين ابتداء من شرم الشيخ جنوبا حتي جزيرة فرعون شمالا المطلة علي طابا، اذكر ان إحدي السفن الحربية المصرية الصغيرة بقيادة صاغ (رائد) اوقفت سفينة بضائع بريطانية - قبل الثورة - وكانت متجهة الي ايلات وذلك عند مدخل خليج العقبة لتفتيشها، ونال هذا الرائد إعجاب مصر وجميع أعضاء البرلمان. كان الطودي بصحبه البكباشي احمد إسماعيل (المشير ووزير الحربية فيما بعد) وكانا في مهمة استطلاعية، لا أنسي ما ذكره لنا البكباشي احمد إسماعيل وهو يتألم انه بعد انتهاء حرب 48 استطاع الإسرائيليون أن ينزعوا لهم منفذا علي البحر الأحمر وهي القرية العربية ام الرشراش (ايلات فيما بعد) فكانت مسمار جحا لإسرائيل في البحر الأحمر !! وتتوالي الأيام وأتقابل كثيرا معه بالإسكندرية وكان قد اصبح برتبة القائمقام (عقيد) حيث كنت منتخبا كعضو في نوادي ضباط القوات المسلحة بالإسكندرية ومشرفا علي نادي الضباط بمصطفي باشا، ويتم تأميم قناة السويس وكان هو عنصرا هاما من أعضاء التأميم، وتحتاج قناة السويس الي متخصصين بحريين فيطلبني بالاسم ولأحضر مقابلة اختبارية مع ثلاثة من الزملاء من مهندسي القوات البحرية، وبذلك تم اختياري . ثم يتم إنشاء إدارة التموين بالهيئة للقيام بجميع مشترياتها وكانت من قبل تتم عن طريق باريس !! وبدأت به كمدير وأنا مساعدا له مبدئيا، ولمدة سنين عديدة استمررت في العمل معه اذكر انه في طوال تعاملي معه لم اسمع منه قط اي عتاب أو كلمة غضب عن خطا ارتكبته، ما هذا الإنسان الهادئ الذي لا يغضب !! ولكنني وجدته شديد الانفعال والغضب بعد هزيمتنا النكراء في حرب 67 . وعلي ما يبدو انه زودها شوية، وكانت النتيجة إخراجه من الهيئة، ولكنه وجد ترحيبا كبيرا للعمل في صندوق التنمية الكويتي وزرته بعد ذلك هناك في زيارة عمل ووجدته وحيدا بعيدا عن أسرته في مصر. توفيت والدتي فأرسل لي خطاب تعزية وذكر لي في آخر الخطاب انه "قريبا سنهنئك بمنصب كبير في الدولة !! " وعلمت منه فيما بعد ان ترشيحي جاء من المخابرات العامة والعسكرية، قد يكون السبب قيامي ببعض الأعمال في أثناء حرب الاستنزاف عندما كنت رئيسا تنفيذيا بترسانة بورسعيد ثم رئيسا لإحدي شركات بناء السفن التابعة لهيئة، وكان المرشح الآخر لهذا المنصب الخطير هو صديقي العزيز اللواء بحري الفذ المرحوم محمود فهمي قائد القوات البحرية الأسبق، ولسبب ما لم يتم ذلك . وتتغير الأحوال فيرفع قضية ويكسبها ويعود منتصرا عضوا في مجلس إدارة الهيئة وكان ذلك نصرا عزيزا وتكريما كبيرا له . لا أحب النفاق لرؤسائي - لعن اله النفاق والمنافقين - ولكني كثير الاحترام والإعجاب للجيدين منهم، ولكنني كانت لي علاقة أسرية بثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة بهيئة قناة السويس وجميعهم يرحمهم الله وكان الاميرالاي الطودي واحدا منهم وكان الآخر المهندس مشهور وله مني معزة خاصة هو وأسرته أما الثالث فقد كان الاميرالاي فؤاد بكر والذي تعرض لعملية غدر لإبعاده عن منصبه الذي تولاه من خلال الهيئة كرئيس لهيئة النقل البحري اتهم فيها بعملية فساد ولكنه للحق كان بعيدا عن ذلك، وقد دافعت عنه في رسالة للأهرام بعد ذلك . اذكر انهم جميعا تعرضوا لان يكونوا في أعلي المناصب ثم زالت عنهم هذه المناصب ورأيت كيف تخلي عنهم الأصدقاء وفي أحسن الأحوال بعد الكثيرون عنهم . ذكر لي الاميرالاي الطودي أن ابنه علاء عندما سافر الي الإسماعيلية بخصوص إجراءات التجنيد كان في استضافة سائقه السابق !! اما الاميرالاي بكر فقد تخلي عنه الاصدقاء، وكم كانت زياراتي له وللسيدة الفاضلة حرمه في منزله في فلمنج بالإسكندرية مليئة بالعواطف الجياشة لتريني كيف هي هذه الدنيا!!