منطقة اليورو في خطر.. شبح التفكك يحلق في سماء المنطقة.. هل يعني ذلك ان بانتظار مجموعة الدول التي تشكل فضاء اليورو سيناريو يشبه ما واجهه الاتحاد السوڤييتي قبل عقدين؟ ثمة رؤية متشائمة، تدعي انها الأكثر واقعية في قراءة المستقبل غير البعيد لمنطقة اليورو تذهب الي ضرورة تعديل صيغة السؤال ليكون: متي يصبح فضاء اليورو بصورته الراهنة صفحة من التاريخ؟ ثم ما ملامح الطبعة الجديدة لمنطقة اليورو غدا بعد استيعاب الدروس المستفادة من التجربة التي لم تصمد الا عقداً واحدا من الزمان؟ اصحاب الرؤية المتشائمة - الذين يؤكدون انهم واقعيون فقط دون جنوح للتشاؤم - يرون ان التشقق الذي اصاب بنية المجموعة لا يرتبط فقط بتوابع الازمة المالية الاقتصادية العالمية التي ضربت الدول الاقل »مناعة« في اوروبا، ولكن المسألة اعمق، حيث تلعب التفاوتات الي جانب الضغوط دورا كان مسكوتا عنه منذ البداية، فداخل مجموعة الدول التي انضوت تحت لافتة اليورو كان هناك شمال تتمتع اقتصاداته بالقوة الحقيقية، وجنوب ضعيف لا يقوي علي احتمال الوفاء باستحقاقات اللحاق بمنطقة اليورو، ولم تلعب الازمة العالمية سوي دور الضوء الكاشف للتناقضات التي كانت اقرب الي نار تحت الرماد، أو تيارات قوية تخفيها طبقة رقيقة من المياه الهادئة في محيط بلا قلب! وفق هذا السيناريو، فان علي الاقوياء حتي يضمنوا استئناف مسيرة بلا عثرات لليورو ان يتخففوا من الاعباء التي تفرضها صحبة الضعفاء من أهل الجنوب الاوروبي، تماما كما رأي البعض عند تحليل العاصفة التي ضربت الاتحاد السوڤييتي، حيث ذهب بعض المحللين الي ان خطة جورباتشوف الاصلية كانت تقتضي تخلص الاجزاء القوية من الامبراطورية الحمراء، من تلك التي تمثل قيودا علي انطلاقها، وبالتالي فان التضحية بالضعفاء والاكثر تخلفا ضريبة لا يمكن التملص من دفعها! داخل منطقة اليورو قد يحدث شيء اشبه بذلك، لكن بفارق اساسي: ما سيتم سوف يكون »تحت السيطرة«، ووفق خطة محكمة من شأنها الحفاظ علي الاقوياء داخل الهيكل، بينما تنفض المجموعة عن كاهلها كل من يمثل عبئا يعرقل المسيرة! وربما يكون هذا الموقف أقرب الي قرار حتمي في ظل التفاعلات الدولية، التي سوف يتمخض عنها خريطة القوي العظمي خلال العقود القادمة من القرن الحادي والعشرين. دفع الضعفاء من فوق سطح السفينة حتي لا يغرق الجميع، قد يكون حلاً لا اخلاقيا، لكن منذ متي يحرص من يسيطر علي مركز صناعة القرار علي النظر بعيدا عن دائرة مصالحه؟ لن يكون أمام صناع القرار إلا أحد خيارين: اعادة تشكيل منطقة اليورو لتضم فقط القادرين علي الدفع بالسفينة للامام دون اي تهديدات حادة. استمرار المجموعة بشكلها الراهن مع ما يعنيه ذلك من اثمان باهظة يدفعها الاقوياء والاغنياء، كلما ضربت موجة اخري من الازمة الحلقات التي تعاني ضعفا او اختلالا لا تستطيع مواجهته، ويصبح علي اهل الشمال التدخل باستمرار لإنقاذ اهل الجنوب مهما اثقل الامر كواهلهم! ووسط الظلال القاتمة في سماء أوروبا، يخرج بوتين رئيس الوزراء الروسي ليعلن من العاصمة الالمانية برلين ان بلاده قد تتبني عملة موحدة مع أوروبا في المستقبل، فأي مغزي تترجمه كلمات بوتين مع الوضع في الاعتبار الزمان والمكان اللذين احاطا باطلاق مثل هذا الاحتمال؟ هل تتقاطع نبوءة بوتين مع تطبيق محتمل للسيناريو السوڤييتي في منطقة اليورو، ولكن وفق درجة عالية من الاحترافية القادرة علي حماية مصالح الاقوياء داخل المجموعة ليدفع الضعفاء وحدهم الثمن؟