أدي النمو الاقتصادي المتسارع في دول الشرق الأوسط إلي تفوق حجم الطلب علي الغاز الطبيعي علي حجم إنتاجه في دول المنطقة. وجاء هذا التطور في وقت تسود فيه أعلي درجات عدم التيقن منذ عقود، آفاق مستقبل حجم الطلب العالمي علي الغاز. وكشف تقرير "الغاز الطبيعي و مواجهة التحديات" الجديد الصادر عن إرنست ويونغ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن حالة عدم التيقن هذه قد تؤدي إلي عدم كفاية الإمدادات لتلبية النمو المتوقع في حجم الطلب. ورغم أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن ينمو الطلب العالمي علي الغاز بنسبة 1.5٪ سنوياً حتي عام 2030، إلا أن الحجم الفعلي للطلب سوف يتأثر بعدد من العوامل التي لا يمكن توقعها. وفي سياق تعليقه علي النتائج التي خَلُصَ إليها التقرير، قال ديفيد بارّينجر، مسؤول خدمات استشارات النفط والغاز في إرنست ويونغ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "رغم أن استراتيجيات الطاقة التي تنتهجها بعض دول الشرق الأوسط قد تسهم في تعزيز استقلاليتها في مجال الطاقة علي المدي البعيد، إلا أنه لا مناص من تلبية احتياجات المنطقة علي المدي القصير عبر استيراد الغاز". ارتفع إنتاج الغاز في المنطقة بنسبة 95٪ خلال السنوات العشر الماضية، لكنه لا يزال يشكل نحو 12٪ فقط من إجمالي الإنتاج العالمي في الوقت الراهن. في المقابل، ارتفع طلب أسواق الشرق الأوسط علي الغاز بنسبة تقارب 7٪ سنوياً، ليتفوق علي الزيادة المحققة في إنتاج الغاز في دول المنطقة. ومن أبرز أسباب ارتفاع الطلب المحلي علي الغاز في دول المنطقة، النمو الاقتصادي وانخفاض أسعار الغاز والتحول من استخدام النفط إلي الغاز في توليد الطاقة الكهربائية، وحقن الغاز في مكامن النفط الجوفية لزيادة إنتاجها النفطي. يضاف إلي ذلك، توقع تزايد الاعتماد علي الغاز وقوداً لتوليد الكهرباء في دول المنطقة، بمعدل 3.6٪ سنوياً حتي عام 2030. الغاز وقوداً للنمو الاقتصادي أو معززاً لعائدات التصدير تزداد حدة الجدل الدائر في الشرق الأوسط حول منح الأولوية في الغاز المنتج لتلبية احتياجات الأسواق المحلية أو لزيادة عائدات الدول المنتجة عبر إبرام اتفاقيات لتصديره إلي الخارج. ورغم أن 41٪ من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة (التقليدية) تقع في المنطقة، إلا أنها تتركز بصورة رئيسية وبنسبة 73٪ في دولتين فقط هما إيران وقطر. وتعتبر قطر أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، إلا أنها أجَّلَت إبرام أية اتفاقيات جديدة لتطوير إنتاج حقل غاز الشمال أو بيع الغاز حتي عام 2014. وبعيداً عن إيران وقطر، تتمثل حصة مهمة من احتياطيات الغاز في المنطقة في مكامن الغاز المصاحب للنفط، ما يعني أن إنتاج الغاز من المكامن النفطية التي تحتوي علي غاز مصاحب لا يتمتع بالمرونة اللازمة لزيادته أو تخفيضه عند الحاجة. كما أن معظم الغاز الموجود في المنطقة غاز "حامض" تخالطه نسبة عالية من الكبريت، ما يزيد من صعوبة وتكلفة استخراجه ومعالجته. وقد تحتاج أسعار بيع الغاز في الأسواق المحلية والمدعومة حكومياً بنسب متفاوتة، إلي الارتفاع لتغطية النفقات الإضافية للمعالجة وتوفير الاستثمارات اللازمة للبني التحتية لمنشآت الغاز. أسباب شح الإمدادات الإقليمية أدي مزيج من الدعم السعري الحكومي والخلافات السياسية وإغراءات أرباح للتصدير، إلي تخفيض حجم الغاز المنتج في الشرق الأوسط والمخصص لتلبية احتياجات أسواق المنطقة. ونتيجة لذلك، تتميز البني التحتية الإقليمية لنقل الغاز الطبيعي بين دول المنطقة بالمحدودية. وقامت كل من دول المنطقة بتطوير استراتيجيات مستقلة لتلبية احتياجاتها المتنامية من الغاز الطبيعي.