لعل أسوأ ما أفرزته الحالة المضطربة السائدة في مصر ما بعد ثورة 25 يناير هو ان لا هيبة ولا احترام لأي من القيم ومقومات الأصالة والشهامة التي عرفت عن شعب الدولة المصرية. هذا السلوك الخارج المؤسف طال الأجهزة السيادية التي ما كان أحد يجرؤ علي المساس بها. لقد بلغ هذا السقوط الأخلاقي قمته بالتهجم علي القضاء الذي يعد صماما للعدالة وانضباط المجتمع واحتفاظه بحضاريته.. ونظرا للدور الأساسي المنوط بجهاز الشرطة الذي تتركز مسئوليته في تفعيل الأحكام القضائية والقوانين ومتطلبات النظام العام للدولة فقد تم استهدافه بالتدمير وتسخيره للقيام بنفس الخدمات التي كان يمارسها قبل الثورة. استند إلي انحراف بعض أفراده مبررا لإتهام الجهاز كله بالفساد في إطار مخطط نشر الفوضي وارتكاب كل ما هو ضد القانون. تبين ان هناك توجها متعمدا محوره خلق أزمة ثقة بين الشعب ورجال الشرطة. لم يكن خافيا ان ما أصاب القضاء والشرطة كان هدفه إفساح الطريق أمام تنظيمات بعينها للسيطرة علي مقاليد الأمور في هذا الوطن. في هذا الإطار لم يكن تحقيق الوفاق الوطني أمراً مستحباً ومرحباً به. كل ذلك كان نتيجة لتغول السلطة الجديدة التي اتسم أداؤها بالغطرسة والغرور وسيطرة نزعة الإقصاء والتهميش بعد وقوعها فريسة لروح الهيمنة والتسلط. لا جدال ان انغلاق طرق الخروج من هذه الدائرة الجهنمية المغلقة سببه ضيق الأفق وانعدام الخبرة وضياع الإحساس بالمسئولية الوطنية. علي ضوء هذا المشهد كان من الطبيعي ان تنعكس نتائجه السلبية علي الأوضاع الاقتصادية التي بلغت مرحلة الانهيار. لم يعد من سبيل لبدء عملية انقاذ الوطن سوي بعودة الهيبة والاحترام للقضاء والشرطة والجيش. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا في ظل وفاق وطني حقيقي يرسي دعائم الاستقرار المفقود. من المؤكد أن التوصل لهذه الصيغة هو لصالح جميع القوي الوطنية سواء التي تحكم أو التي في صفوف المعارضة.