منذ أطلق عدد من قيادات الجماعة الإسلامية صيحتهم الشهيرة قبل شهور في أسيوط وما تلاها من تطورات بدأت أقتنع أن ظهورهم لا يأتي صدفة حتي لو ارتبط بحدث آخر . كانوا قد اجتمعوا لتأبين الأطفال الذين راحوا ضحية حادث التصادم المفجع ، لكنهم فجأة نسوا كل شيء وعلا صوتهم مطالبا الرئيس بالضرب بيد من حديد علي بلطجية الميادين .. والتحرير بالذات ، ظننت في البداية أن الأمر لا يخرج عن نطاق الشعارات الجوفاء التي تتقنها قوي سياسية أخري اعتادت أن تمارس النضال تليفزيونيا ، لكن تطور الأحداث جعلني أوقن أن الجماعة الإسلامية وذراعها السياسي لا يضيعان وقتا في هذا الهراء ، فعقب صيحة أسيوط بساعات صدر الإعلان الدستوري الذي تسبب في أزمة سياسية كبري . وقبل أيام اجتمع ثلاثة من قياديي الجماعة نفسها في بني سويف وفتحوا النار علي الكثيرين ، لم يثر الهجوم الحاد قلقي بعد أن أصبح سمة تجتمع عليها التيارات السياسية التي اختلفت حول كل شيء لكنها اتفقت علي التنابذ بالشعارات ! غير أن الأخطر كان طرحهم لفكرة تشكيل الجماعة لجانا شعبية تساعد في حفظ الأمن ، وقبل أن أستبشر بأن أفراد الجماعة سيحققون حلم الملايين الذي عجزت الحكومة عن جعله واقعا فوجئت بغرابة مفهوم الأمن لديهم ، حيث قال أحدهم : " اللي هايقطع كوبري .. يترمي من فوقه " !! أمير الانتقام راهنت عددا من المحيطين بي علي أن التصريحات تعتبر تمهيدا لأمر ما ، واستعدت ذكري تصريحات أسيوط وما تلاها ، وقبل أن تبرد سخونة مقولات بني سويف خرج تصريح النائب العام عن منح حق الضبطية القضائية للمواطنين العاديين ، أنا شخصيا لم أغضب بل شعرت أن النائب العام كان يسعي في الأساس للحفاظ علي أرواح أبناء هذا الوطن ! فتصريحات قياديي الجماعة تعني أن الميليشيات المعلن عنها كانت تنوي إصدار الحكم علي من تري أنه من المفسدين في الأرض وتقوم بتنفيذه في الحال ، لهذا سارع سيادة المستشار بقطع الطريق عليهم وسلبهم سلطة إصدار الأحكام وتنفيذها واكتفي بجعلهم يسلمون من يقبضون عليه إلي أقرب قسم في محيط الكوبري بدلا من إلقائه من أعلاه !! لكن مشعلي الحرائق نظروا كالعادة إلي النصف الفارغ من الكوب ، وتباروا في تحميل القرار أكثر مما يحتمل ، وأمام سوء الفهم أصدر مكتب النائب العام توضيحا وأهاب بوسائل الإعلام تحري الدقة لأنها أساءت فهم تصريحاته ! انتظرت أن يصدر بيانا آخر موجها للجماعات التي تسابقت في الإعلان عن تشكيل لجان تابعة لها ، يهددهم فيه باستخدام قبضة القانون لو فعلوا ذلك ، خاصة بعد أن سبق السيف قراره وبدأت بعض الجماعات تشكل الميليشيات علي أرض الواقع وظهر من قيادييها من يدافع عن جدواها علي القنوات الفضائية ، لكن النائب العام لم يفعل فقررت شخصيا البعد عن الجدل واستثمار ما يحدث بطريقة إيجابية ، وأعددت قائمة بمن أساءوا إلي لأبدأ التعامل معهم علي طريقة أمير الانتقام ، وأعتقد أن الكثيرين غيري فعلوا مثلي وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة ومن مكائد تكفل ضبطهم قضائيا .. وتحيا دولة القانون !! إعلام في قفص الاتهام ! إنه الإعلام دائما يدفع ثمن أي خطأ ، فهو السبب في ترويج شائعة تخصيص الدولة ثلاثة أرغفة يوميا لكل مواطن ، و بعد أن نجح شهورا في أن يصمت ويصمد في وجه هذه الأخبار الكاذبة اضطر وزير التموين إلي النفي! كما أن وسائل الإعلام هي التي (فبركت) تسجيلا للمستشار القانوني للرئيس يؤكد فيه أن الرئاسة لن تطعن علي قرار محكمة القضاء الإداري بوقف الانتخابات ، ومن جديد اضطرت ثلاث جهات رسمية (دفعة واحدة) أن تتحرك بعد ثمانية أيام ، وتسعي إلي ضحد هذه الفبركة بالطعن علي القرار لتفضح إعلامنا الذي لا يفهم ! الأمثلة عديدة ورغم ذلك تصر المعارضة في كل مرة علي تأويل ما يحدث باعتباره تراجعا من المسئولين عن قراراتهم دون أن يملك قادتها جرأة تحميل الإعلام المسئولية ! هنا أقترح أحد حلين ، الأول أن تتم إحالة كل الإعلاميين إلي خبراء مختصين لإجراء اختبارات ذكاء توضح مدي قدرتهم علي الاستيعاب ، بعد أن أصبح سوء الفهم ظاهرة تحتاج إلي علاج . أما الحل الثاني فيتمثل ببساطة في أن يقوم كل مسئول يصدر قرارا بتوزيع (كتالوج ) معه ، يوضح فيه أسلوب التعامل مع قراره علي نحو صحيح وبدون إساءة .. فهم ! ولا مانع أن يكون لكل قرار (ضمان) ضد عيوب التفسير لمدة أسبوع !