هكذا يتم الآعتداء على ثروة مصر الزراعية دون ضابط أو رابط! لاتزال الأعمدة الخرسانية تواصل عدوانها الأخطر علي الرقعة الزراعية وتهدد أرض مصر السوداء بالتصحر.. الفلاح هانت عليه أرضه.. وأمسك بيده المعول يقتل الزراعات الخضراء سعيا للثراء السريع.. مشهد مخز لضياع سمراء مصر رصدته »الأخبار« علي جانبي الطريق الدائري والذي أصبح مشهدا مألوفا نراه وسط أراضي مصر الزراعية بجميع المحافظات.. ومع الانفلات الأمني بعد ثورة 52 يناير زادت التعديات علي أرضنا الخضراء لتقتلها وتغتصب 03 ألف فدان سنويا لتصبح مباني سكنية ومصانع ومخازن. في جولتنا علي جانبي الطريق الدائري ووسط الأراضي الزراعية وقف وليد. خ 13 سنة مقاول يشارك في سرعة الانتهاء من عقار من 4 طوابق.. ليعترف لنا قائلا: من بعد ثورة 52 يناير زادت نسبة التعدي علي الأراضي الزراعية بسبب غياب الأمن، حيث اتجه جميع الفلاحين لتقسيم أراضيهم إلي كردونات مبان لتحقيق أرباح كبيرة بدلا من الزراعة التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، وأشار إلي انه قبل البدء في عملية البناء تتم إزالة الزراعات من الأرض وتجريف التربة لعمق مترين من وسط الأرض ثم البدء في عملية الحفر لوضع الأعمدة الخرسانية، وأضاف انه بسبب الانفلات الأمني والخوف من سرقة المعدات والأدوات المستخدمة للبناء يتم الاتفاق مع مجموعة البلطجية التي تتولي تأمين المنطقة علي حماية العقار والأدوات مقابل 005 جنيه شهريا لحين الانتهاء من عملية البناء. ويري أحمد.غ 82 سنة نجار مسلح ان التعدي علي الأرض الزراعية لم يعد يقتصر فقط علي بناء المنازل بل قام البعض بإنشاء مصانع ومخازن علي مساحات أرضية كبيرة، وأوضح انه من بعد الثورة لم يشاهدوا شرطة المرافق أو مهندسي الحي لمواجهة التعديات علي الأراضي الزراعية، وتساءل أحمد إذا كانت الدولة لا تهتم بالأرض الزراعية فلماذا يهتم المواطن بها؟ مؤكدا انهم يعملون بحرية تامة وبلا حسيب ولا رقيب وجهارا نهارا!! خطر علي الدولة ويؤكد الدكتور نادر نورالدين أستاذ الأراضي والموارد المائية بكلية الزراعية جامعة القاهرة أن البناء علي الأراضي الزراعية يمثل تهديدا حقيقيا للثروة الغذائية، حيث أظهر تقرير وزارة الزراعية أن نسبة التعدي علي الأراضي الزراعية بلغت 03 ألف فدان سنويا بعد الثورة بعد أن كان المعدل 02 ألف فدان سنويا من تعديات فردية وإنشاءات الدولة مثل المطارات والكباري والمستشفيات، وبهذه الزيادة سوف تختفي الأراضي السمراء المجاورة لنهر النيل والتي تبلغ 5 ملايين ونصف فدان خلال 001 عام لتتحول مصر إلي أرض صحراوية، وأشار إلي ان ذلك سيزيد الفجوة الغذائية خاصة في السلع الاستراتيجية مثل القمح والسكر، بالاضافة إلي نقص المخزون الاستراتيجي وقلة موارد الدولة لاستيراد المواد الغذائية مما يمثل خطرا حقيقيا علي الدولة ومواردها.. وشدد د.نادر علي أهمية اصدار تشريع قانوني قوي وحازم في التعامل مع هذه التجاوزات ليصل العقاب إلي سحب الأرض والمنشأة ومصادرتها من مالكها وتوقيع غرامات مالية ضخمة وعقوبات قد تصل إلي الحبس بما يمثل ردعا لكل من يحاول التعدي علي الأراضي الزراعية لأن الأراضي التي يتم التعدي عليها تضيع إلي الأبد لأن الأعمدة الخرسانية تخترق الأرض لعمق 3 أمتار وتجريف الطبقة الطينية الصالحة للزراعة، بينما تقتصر عملية الإزالة إذا تمت علي الطوابق العلوية للمنشأة فقط. وأضاف انه في المقابل يجب علي الدولة أن تقوم بدورها في معالجة أسباب التعدي علي الأراضي الزراعية، فالفلاح يشعر الآن ان معدل الخسارة لمالكي الأرض الزراعية في ازدياد كبير خلال السنوات العشر الماضية ولا تحرك الدولة ساكنا في مساعدته أو تعويضه عن هذه الخسارة بل تقوم بزيادة الأعباء عليه مثل أسعار الأسمدة والتقاوي والمبيدات، بالاضافة إلي عدم الاهتمام بسكن الفلاح وتوفير مناطق سكنية له ولأسرته قريبة من أرضهم الزراعية، كل هذه الضغوطات تجعل الفلاح يتخلص من الأرض سواء ببيعها أو تجريفها والبناء عليها، ولذلك يجب أن تفكر الدولة في كيفية تحويل الزراعة إلي مهنة مربحة. خسائر فادحة وحذر د. سامح العلايلي أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة من التعدي علي الأراضي الزراعية معتبرا انها جريمة يجب علي الحكومة مواجهتها، مشيرا إلي ان الحكومة تلتزم الصمت الآن علي هذه التعديات في ظل حالة الانفلات الأمني وانشغال الجهات المختصة بالأحداث المتتالية التي تشهدها البلاد منذ ثورة 52 يناير، ولم تقتصر حالات التعدي علي الفلاحين فقط الذين اتجهوا إلي إقامة مساكن لأبنائهم بل استغل أيضا مجموعة من رجال الأعمال نفوذهم في استخدام مساحات كبيرة من الأراضي المخصصة لهم بغرض الزراعة وتجريفها وإقامة المصانع والمخازن عليها أو بناء أبراج سكنية وبيعها للمواطنين.. وأكد د. العلايلي ان التعديات والبناء علي الأراضي الزراعية كارثة بكل المقاييس واذا استمرت بهذا الشكل ستختفي الرقعة الزراعية خلال السنوات القادمة، بما ينعكس بالسلب علي توفير احتياجات الغذاء وخاصة السلع الاستراتيجية. وأشار إلي ن عمليات الإزالة والهدم تتسبب في خسائر كبير واهدار مواد البناء، مما يزيد من الأزمة الاقتصادية والتي تعود علي الفلاحين بخسائر كبيرة مما يتسبب في خلق احتقان بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، بالاضافة إلي انه بعد تنفيذ قرارات الإزالة لا تصلح الأراضي مرة أخري للزراعة!! عدم الاستقرار وأكد محمد أحمد مرسي وكيل وزارة الزراعة بالقليوبية انه لا توجد سرعة في اصدار قرار الإزالة بالمقارنة بسرعة البناء، وأشار إلي انه من المفترض أن تقوم الحكومة باتخاذ الاجراءات القانونية والإدارية للقضاء علي التعديات التي تقع علي الأراضي الزراعية فور وقوعها بتطبيق القانون وتحرير محاضر للمخالفين، وبعدها يأتي دور أجهزة الأمن بالمحافظات بتحريك هذه المحاضر وتنفيذها ضد المخالفين.. وأوضح انه في ظل غياب الأمن وانتشار البلطجية لا يتم تنفيذ قرارات الإزالة ضد المخالفين.. والحل يبدأ بتحسين سلوك المواطن وقيام الدولة بعمل برامج توعية تناشد المواطنين بأهمية الحفاظ علي الأراضي الزراعية التي حافظ عليها الأجداد يفرط فيها الأبناء حاليا رغم ان العالم من حولنا يتغير إلي الأفضل فإننا نتغير إلي الأسوأ، ويجب أن يكون التوسع المعماري في الريف رأسيا وليس أفقيا، فليس هناك قوة لمواجهة تلك التعديات، ذلك بسبب عدم استقرار الأوضاع في مصر. وأكد اللواء عمر الطاهر الخبير الأمني ان زيادة السكان لها دور رئيسي في زيادة التعديات علي الأراضي الزراعية، وقلة الأراضي المخصصة للبناء علي مستوي القري والريف بما لا يتماشي مع زيادة سكان هذه القري وكثرة الشباب الراغبين في الزواج.. وأجهزة الأمن مطالبة بمواجهة الأشخاص ذوي النفوس الضعيفة الذين يعتدون علي الأراضي الزراعية بمختلف المحافظات واستغلوا فرصة انشغال الأمن بالأوضاع الراهنة في الشارع المصري وتحقيق أكبر قدر من المكاسب بطريقة غير شرعية.. وفي المقابل يجب ان يتم توفير مناخ مناسب لأجهزة الأمن حتي يتم القضاء علي المخالفات، ويتساءل كيف نسمح بإهدار ما يقرب من 03 ألف فدان سنويا من أرضنا الزراعية لحساب المساحة العمرانية الجديدة؟ واعترف اللواء سيف الإسلام الباري نائب محافظ القاهرة بأن التعديات مستمرة علي الأراضي الزراعية معللا ذلك بتواجد البلطجية في الشارع وغياب الأمن الدائم وانشغال المسئولين بالأوضاع السياسية فقط.