عبدالحافظ الصاوى ثمة حالة من الشحن النفسي تجاه أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، لكي تصل مصر إلي تجربة تنموية ناجحة، أسوة بالدول الصاعدة في آسيا، وأمريكا اللاتينية، والهند، وتركيا. وأخشي ما نخشاه أن نعتقد أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة كانت كلمة السر في نجاح تجارب هذه الدول في التنمية. والحقيقة أن نجاح التنمية في هذه الدول اعتمد علي عوامل محلية كثيرة، منها الإرادة السياسية، ومد جسور الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، أي بين الحكومة ومجتمع الأعمال والمجتمع الأهلي. وكذلك تهيئة المناخ التشريعي والاستثماري المشجع علي الاستثمار. فيستفاد من هذه العوامل أولا المستثمر المحلي، ثم أتي المستثمر الأجنبي ليحصل علي نصيبه من كيكة النجاح. فالاستثمارات الأجنبية لا تأتي من أجل ترضية خواطر بلد يعينه، وإنما تأتي من أجل الحصول علي الربح. فكافة تجارب التنمية التي نجحت في الاستفادة من الاستثمار الأجنبي المباشر، خلصت أن دور هذا الاستثمار كان المساعدة في نجاح التجربة، ولم يكن له دور رئيسي في قيام التنمية ونجاحها. وهذه النتيجة خلصت إليها تجارب جنوب شرق آسيا، التي وصل فيها معدل المدخرات المحلية ما بين 35 ٪ و40 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ولذلك استطاعت هذه الدول أن تدير معادلة الاستثمار بشكل كفء، أدي إلي معدلات تشغيل مكنتها من الوصول إلي خفض معدلات البطالة بنسب عالية. وإذا أرادت مصر أن تستفيد من الاستثمار الأجنبي المباشر في تجربتها التنموية فعليها بعدة أمور منها ما يلي: دراسة التجربة السابقة للاستثمارات الأجنبية بمصر، ومعرفة الأسباب التي أدت إلي إخفاق التجربة وعدم تحقيقها لنجاح مماثل لما حدث في دول آسيا والصين وغيرهما من الدول. فالاستثمار الأجنبي في مصر لم يؤد إلي إحداث طفرات تصديرية، كما لم يستجلب رؤوس أموال جديدة، واعتمد علي التمويل المحلي، ولم يساهم في تخفيض أعداد العاطلين بصورة ملحوظة، وكانت أكبر أخطائه أن خطته اعتمدت علي مزاحمة الصناعات المحلية فعمل علي إغلاقها وشراء الناجح منها، ليصل إلي أوضاع احتكارية بالسوق. الاعتماد بشكل رئيسي علي المدخرات المحلية، والعمل علي تشجيعها، لتنتقل من 17 ٪ إلي ما لا يقل عن 25 ٪. ومن الأفضل تركيز الجهاز المصرفي وغيره من المؤسسات المالية علي جذب المدخرات غير الرسمية. التي تبدد في مجالات متعددة من المضاربات. الانتهاء من خريطة للاستثمارات المطلوب تنفيذها بمصر، من خلال خطة تنمية متوسطة وطويلة الأجل، تعتمد علي التنمية كثيفة التشغيل، لكي نخفف من حدة البطالة القائمة والتي تصل معدلاتها لنحو 15 ٪ ولكي تكون هذه المشروعات أداة جيدة لاستقبال الداخلين الجدد لسوق العمل المصري الذين يقدر عددهم بنحو 750 ألف فرد سنويًا. فماليزيا فعلت هذا مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومنعت المستثمرين الأجانب في بداية الأمر من دخول العمالة الأجنبية، وسمحت فقط بأعداد محدود في وظائف الإدارة العليا، وربطت هذه الأعداد المحدودة بحجم ما يدره الاستثمار الأجنبي من رؤوس أموال. لابد من تطوير التعليم وربط مخرجاته باحتياجات سوق العمل، ويتطلب ذلك التركيز علي التعليم الفني، الذي يوفر قدرا من التدريب لخريجيه، يصنفهم في فئة العمالة المهارة، حتي لا يكونوا في مصاف العاطلين بعد تخرجهم. إن توطين التكنولوجيا من أهم التجارب المستفادة من تجارب آسيا والصين، فكلهما مر بعدة مراحل هي: استخدام التكنولوجيا، واستيعابها، ثم إنتاجها، ثم تطويرها، ثم ابتكار تكنولوجيات وطنية مكنت هذه الدول من رفع معدلات التصدير من السلع عالية التكنولوجيا، بعد أن كانت صادراتهم لا تتعدي الصناعات التقليدية، أو تجميع السلع الكهربائية والالكترونية.