لعل الظاهرة المثيرة التي تشهدها الساحة المصرية حاليا نتيجة المتغيرات السياسية هو ظهور فئة من القانونيين المتلونين الذين ارتضوا علي أنفسهم التخلي عن علمهم وخبرتهم. انهم ولأسباب لا تخفي عن أي مواطن عادي يلجأون إلي تطويع ما قد يكون لديهم في هذا الشأن لصالح مصالح ومكتسبات شخصية لا علاقة لها بالعلم أو القيم أو المبادئ. لاجدال ان انتشار هذه الظاهرة يعد شيئا محزنا ولكن الذي لا يجعلنا نفقد الأمل وجود غالبية من العناصر الصالحة لا توافق علي هذا الحال المائل الذي يعكس انحطاطا أخلاقيا انتهازيا. حول هذه القضية تلقيت علي الإيميل الخاص بي هذه الرسالة القانونية من الدكتور وجدي ثابت أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق في جامعة »لاروشيل« بفرنسا : إنه ليس صحيحا أن رئيس الجمهورية يملك في الوضع الراهن سلطة الغاء القواعد الدستورية التي تضمنها الاعلان الدستوري التكميلي لان القواعد الدستورية لا يمكن إلغاؤها بقرار ممن يحتكم علي السلطة التنفيذية فقط. ان القيام بالاستيلاء علي السلطة التأسيسية القادرة علي صنع القواعد الدستورية والمتمثلة في تولي الرئيس السلطة التشريعية - حسب الاقتراح المنشور في بعض الصحف - انما يعرّض قراره للالغاء امام مجلس الدولة الذي يختص بنظر القرارات والمراسيم الجمهورية. مثل هذا القرار ينطوي علي عيب جسيم في اساءة استعمال السلطة بما يتنافي وخطر تركيز السلطات التشريعية والتأسيسية والتنفيذية بين ايدي سلطة واحدة وهو الرئيس.. ان التسليم بذلك معناه ان الرئيس يملك ان يضع قواعد دستورية أو يخالفها أو يلغيها دون قيود أو ضوابط يقررها له دستور سابق في الوجود. وفي حالة مصر حاليا فانه لا يوجد دستور قائم يعطي صاحب السلطة التنفيذية سلطة إبطال القواعد الدستورية أو وضع قواعد دستورية جديدة أو حتي سلطة مباشرة الوظيفة التشريعية للبرلمان. أما عن سريان الاعلان الدستوري وتعديلاته المكملة فإنه قائم حتي العمل بالدستور الجديد وفقا لقاعدة تقابل الاشكال التي من مقتضاها ان قاعدة دستورية لا تلغي إلا بقاعدة دستورية أخري صادرة من سلطة لها ذات الصلاحيات الدستورية. وغني عن البيان ان الرئيس لا يملك هذا الاختصاص. علي هذا الأساس فإنه وفي غياب مجلس الشعب لا يمكن ان يعهد لرئيس الجمهورية بالسلطتين التنفيذية والتشريعية لمخالفة ذلك المبدأ الفصل بين السلطات. ولا يجب ان يغرب عن البال ان دستور 1791 غير معمول به. ولا توجد أية قاعدة دستورية أخري تسمح لرئيس الجمهورية بتولي الوظيفة التأسيسية والتشريعية معا فضلا عن سلطاته التنفيذية.. يجب ان ندرك ان قرارا هذا شأنه.. معناه تركيز السلطات في ايدي رئيس الجمهورية.. يقتضي تسميته علميا بالديكتاتورية. هذا ومن الخطأ تصور ان الفترة الانتقالية انتهت بانتخاب رئيس الجمهورية لاننا نعيش حاليا بدون مجلس شعب قادر علي الانعقاد وممارسة مهامه الدستورية. ولأننا ايضا بدون دستور موضوع فعلا ويحدد سلطات رئيس الدولة ويرسم له اختصاصاته أو يعطيه علي وجه الاستثناء اختصاص في المسائل الدستورية أو التشريعية. فلا اختصاص دستوري أو تشريعي إلا بنص دستوري. ويجب ان نعي أن المسئول الأول عن هذه الحالة هو التنظيم الذي استخدم كل الضغوط من أجل تكوين جمعيتين تأسيسيتين تنطويان علي ذات العوار الدستوري مما يجعل الدستور الذي يتم التوصل اليه مشمولا بالبطلان وهو أمر مضر باستقرار الوطن. مع خالص تقديري د. وجدي ثابت أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة لاروشيل تعليق: اعتقد ان ما جاء في هذه الرسالة هو اعلام دستوري فقهي توافق عليه العديد من فقهاء الدستور الوطنيين.. ولكن مين يقرأ ومين يسمع!!