لو قرأت بعض التصريحات الواردة بالصحف حول أسئلة دستورية عديدة فى ورقة إجابة طالب بالسنة الأولى بكلية الحقوق فى فرنسا وطبقًا لمعايير الصحة والسلامة العلمية لرسب الطالب فى مادة القانون الدستورى رسوبًا لا ينقذه منه لا رأفة ولا شفقة ولا طعن ولا مراجعة. وعندما أعيد قراءة التصريح وتقع عيناي على اسم صاحبه لا تصدق عيناي ما أرى و لا يمكن أن أتصور أن يصدر مستشار فى النقض أو أستاذ فى القانون الدستورى عن جهل مثل هذه التصريحات. بقى إذن الاحتمال الآخر وهو الأسوأ من الجهل ألا وهو سوء النية والأيديولوجية الحزبية، ومعنى ذلك تطويع العلم فى خدمة أهداف سياسية وهو عار على أستاذ القانون والمشتغلين به، وهذه هى بعض الأمثلة التى يجب تصحيح الرأى فيها. 1. ليس صحيحا أن رئيس الجمهورية يملك فى الوضع الراهن سلطة إلغاء الإعلان الدستورى أو أي قواعد دستورية تضمنها الإعلان المكمل فالإعلان الدستورى الصادر فى مارس والإعلان المكمل لا يمكن إلغاؤهما بقرار إلا ممن يملك السلطة التأسيسية أى السلطة التى تملك وضع وإلغاء وتعديل القواعد الدستورية . هذه السلطة فى الوضع الراهن هى المجلس العسكرى بوصفه السلطة الانتقالية الوحيدة التى باشرت ويمكن ان تباشر الآن هذا الاختصاص وقطعاً ليست هى السلطة التنفيذية التى يباشرها الرئيس ويتولاها والتى لا علاقة لها البتة بسلطة إلغاء أو تعديل قواعد ذات طبيعة دستورية. 2. التسليم بعكس ذلك مقتضاه ان الرئيس يملك ان يضع قواعد دستورية او يخالفها او يلغيها دون قيود أو ضوابط يقررها له دستور سابق فى الوجود على أعمال سلطاته فى هذا المجال و هو أمر لا وجود له فى مصر حاليا فليس ثمة دستور قائم بعد يعطى صاحب السلطة التنفيذية سلطة الغاء القواعد الدستورية . أما عن سريان الإعلان الدستورى وتعديلاته المكملة فهو قائم حتى العمل بالدستور الجديد وفقا لقاعدة تقا بل الأشكال التى من مقتضاها ان قاعد دستورية لا تلغى إلا بقاعدة دستورية أخرى تصدرها جهة الاختصاص و هى كما قلنا المجلس العسكرى كسلطة انتقالية، وتبعاً فالحل الوحيد إذا شئنا إلغاء الاعلان التكميلى هو أن يطلب من المجلس العسكرى ذاته ان يلغيه أو وهذا حل آخر أن يتضمن الدستور الجديد نصوصا انتقالية تتضمن الغاء لنصوص الإعلانات الانتقالية . اما أن نقول ان رئيس الجمهورية يملك السلطة التأسيسية و التنفيذية ، و لم لا قدر من السلطة التشريعية أيضاً، هو تناقض بين مع ابسط المبادئ الدستورية و اهمها الفصل بين السلطات و نصح الرئيس بان يركز بين يديه السلطة التأسيسية وما يترتب عليها من سلطة الغاء قواعد ذات طبيعة دستورية هو خطأ علمى فاحش و جهل بكل الأسس القانونية و الدستورية التى يقوم عليها توزيع الاختصاصات بين السلطات العامة . ثم ماذا لو كف المجلس العسكرى عن ممارسة السلطة التشريعية نظرا لغياب مجلس الشعب ؟ ففى غياب مجلس الشعب لا يمكن ان يعهد لرئيس الجمهورية بالسلطتين التنفيذية و التشريعية لمخالفة ذلك ايضا لمبدأ الفصل بين السلطات. 3. يقول البعض ان الاعلان الدستورى مخالف لكل قواعد الدستور و لا أدرى أى دستور بالتحديد فدستور 1971 غير معمول به و لا توجد أية قاعدة دستورية تجبر السلطة الانتقالية ان تسير فى الاتجاه المرسوم لها بواسطة حزب او اغلبية برلمانية منحلة او ساقطة. ولا أدرى أى ميزة يراها صاحب الرأى المنشور فى تركيز السلطات فى أيدى رئيس الجمهورية بدلا من توزيعها بينه و بين المجلس العسكرى بصفة مؤقته و حتى انتهاء انتخابات مجلس الشعب الجديدة ان طبيعة الفترة الانتقالية هى التى تقتضى وجود السلطة الانتقالية و ممارستها لسلطات تتجاوز السلطات العادية للمؤسسات فى الظروف العادية. و من الخطأ أن نتصور أن الفترة الانتقالية قط انتهت بانتخاب رئيس الجمهورية لأننا حاليا بدون مجلس شعب قادر على الانعقاد و ممارسة مهامه الدستورية و لأننا أيضاً بدون دستور موضوع يحدد سلطات الدولة و يرسم لها اختصاصاتها. والمسئول الاول عن هذه الحالة هو الحزب التى ضغط من أجل عمل جمعية تأسيسية و قانون انتخابى ينطوى على عيوب دستورية جسيمة فصناع القانون الفاسد و التأسيسية المنحلة هم المسئولون عن إطالة أمد الفترة الانتقالية و ليس من ينوه عن العيب ولا من يبصر بمواضع القصور و مواطن الزلل و لكن من يخلق القانون الفاسد و الإجراء غير الصحيح و يدرجه فى الكيان القانوني ثم يتحايل بكل الطرق ليفرض علينا سياسية الأمر الواقع و قد استهوته مراءة المنتصر و ممالأة الغالب.