أحمد طه النقر يتحلي صديقي السفير محمد رفاعة الطهطاوي بمناقب كثيرة لا تُحصي ولكني أعُف وأخجل من ذكرها الآن بعد أن صار رئيسا لديوان رئيس الجمهورية حتي لا أوصم بالنفاق وتلك نقيصة تُشينه بقدر ما تُشينني. غير أني آخذ عليه "تحوًلا" فكريا وسياسيا بدأ في السنوات القليلة الماضية من عمر صداقتنا وما فتيء يتفاقم حتي بات مثار مناقشات وجدل حاد كاد أن يُفسد للود بيننا قضايا عديدة وليس قضية واحدة!!.. وأعني بذلك تبنيه أفكار جماعة الإخوان المسلمين وتفانيه في الدفاع عنهم.. فهو يري أنهم ظٌلموا كثيرا وتعرضوا لتشويه متواصل علي مدي عقود وأن من حقهم أن ينالوا فرصة كاملة لحكم البلاد طالما أن الشعب إختارهم بإرادته الحرة..ويري أيضا أنهم شاركوا في الثورة منذ البداية ولعبوا دورا رئيسيا في حمايتها وإنقاذها..وأنا لا اتفق معه في أي من ذلك إلا في حقهم أن يحكموا طالما أن تلك هي إرادة أكثرية الناخبين..أما عن حمايتهم للثورة وإنقاذهم لها فهو محض إدعاء لا يصمد أمام الحقائق والوقائع المٌسجلة ، ولا يختلف عما يردده المجلس العسكري من مزاعم مماثلة!!.. وأنه "...بعد أن هيمن الإخوان وحزبهم علي الرئاسة ورئاسة الحكومة والوزارات الجماهيرية ، فإنه لم يعد أمام القوي الثورية الحقيقية المؤمنة بمباديء وأهداف ثورة 25 يناير إلا توحيد صفوفها والعمل سويا وسط الجماهير لإحباط محاولات الأخونة وإسترداد الثورة والدولة معا..".. وأذكر أنه عندما تخلي الإخوان عن الثوار وغادروا الميدان لحصد الغنائم الإنتخابية، ظل السفير رفاعة في الميدان واشتبك في حوارات ساخنة دفاعا عن الإخوان ضد تُهم التخوين والخذلان.. ونجح في بعض الأحيان في تخفيف غضب المتظاهرين علي الإخوان بفضل المصداقية التي يحظي بها بين ثوار قدروا كثيرا إستقالته من منصبه كمتحدث رسمي باسم الازهر لينضم الي صفوفهم في بداية الثورة..كذلك قدم السفير رفاعة خدمات لا تُنسي لحملة الدكتور محمد مرسي أعلم بعضا مما ظهر منها فقط أما ما بطن فعلمه عند ربي ..ومن ذلك إصطحاب المرشح الرئاسي الإخواني الي سوهاج وإستضافته ليبيت في منزل عائلة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في طهطا..ورغم كل ذلك فقد فوجئتُ بخبر تعيينه رئيسا للديوان..ولم يكن سبب المفاجأة بطبيعة الحال أن الإختيار لم يصادف أهله .. بل هناك شبه إجماع علي أنه "الرجل المناسب في المكان المناسب".. وأن ذلك أفضل قرارات الرئيس مرسي علي الإطلاق مع قراره إختيار المستشار محمود مكي نائبا للرئيس.. ولكن سبب المفاجأة أن الإخوان يفضلون عادة إسناد المناصب الحساسة والجماهيرية لكوادرهم من أهل الثقة والسمع والطاعة ، والسفير رفاعة ليس من كوادرهم علي حد علمي.. غير أنني ضبطتُ نفسي أبتسم وأنا أتذكر نقاشات طويلة ومجادلات صاخبة بيني وبينه قلتُ له مازحا خلال بعضها إن لدي شكوكا قوية في أنه ربما يكون إحدي خلايا الإخوان النائمة!!..وذات مرة إحتد الجدال بيننا فقلتُ له بثقة لم أعرف مصدرها حتي الآن " علي فكرة..أنا حفيد رفاعة الحقيقي ولست أنتَ.. لأن جَدك وجَدي (بإعتباري بلديات الشيخ رفاعة وبإعتباره مثلي الأعلي) لم يكن يمينيا أو محافظ الفكر (مثل الإخوان) وإنما كان تقدميا يسبق عصره بمئات السنين"!!.. وفي مكالمتي الاولي مع السفير رفاعة بعد توليه منصبه الجديد ، قلتُ له بعد التهنئة.."مهمتك يا رئيس الديوان لا تقل أهمية عن مهمة جَدك الكبير رفاعة رافع الطهطاوي"..بوغت الرجل وقال لي ببلاغته وتواضعه المعروفين عنه "لا تظلمني ..فأين الثَرَي من الثُريا"؟!!.. لم تسعفني المكالمة بالطبع لشرح وجهة نظري وانتهت علي وعد بلقاء قريب .. ولكن ما لم أقله لصديقي هو أن الشعور الذي بات يسيطر عليً منذ عرفت بخبر توليه هذا المنصب الرفيع أنه ربما تكون الاقدار قد شاءت أن يكون في هذا الموقع النافذ لكي يقوم بالدور المحوري الاهم المطلوب منه ومنا حاليا والذي يتمثل في محاولة إنقاذ مشروع النهضة والتنوير والتحديث الذي أرساه جَده رفاعة الطهطاوي منذ نحو 150 عاما وساهم في ترسيخه وتعزيزه كل رواد النهضة الذين تتلمذوا عليه أو خرجوا من عباءته.. يعرف السفير رفاعة جيدا، وهو قاريء نهم للتاريخ، أن الدولة الحديثة التي أقامها محمد علي كان يمكن أن تموت مع مؤسسها لولا مشروع رفاعة الحضاري الذي أطلق نهضة تعليمية وعلمية وثقافية وضعت مصر في موقع الريادة وبنت "قوتها الناعمة " التي ضمنت لها السيادة علي المنطقة دون غزو أو حرب.. وسأكتفي هنا بشهادة الاديب الكبير بهاء طاهر الذي قال " تدين مصر للطهطاوي بأكبر فضل في التغيير الثقافي الذي غير وجه الحياة إذ أرسي مفاهيم مثل الحرية والمساواة والاخوة الوطنية اضافة الي مفهوم (الوطن) مقابل مفهوم (الامة) الذي كانت دولة الخلافة العثمانية تحكم باسمه ويشمل الامة الاسلامية كلها".. والآن صرنا نسمع كلاما عن إحياء الخلافة الراشدة ..ونري هجمة شرسة ومنظمة علي الحريات الاساسية وخاصة حرية الرأي والتعبير والإبداع!!..