جمال الشرقاوى يدور الجدل مجددا، حول مجلس الشوري، هناك اتجاه واسع بين رجال القانون يري أن هذا المجلس لا لزوم له، فهو بلا وظيفة حقيقية، تبرر إنفاق مليار و002 مليون جنيه سنويا، من تكاليف انتخاباته كل دورة. وكانت كل القوي الوطنية مع هذه الاتجاه، لانها تعرف أن السادات ابتكر هذا المجلس لثلاثة أغراض، أثبتها التطبيق: أن يستوعب في ثلثي مقاعده الذين لم يستوعبهم مجلس الشعب، من اعضاء الحزب الوطني.. وكله ماشي بالتزوير. أما الثلث الباقي، فقد احتفظ الرئيس لنفسه بحق تعيينه، لكي يغري به عددا من أصحاب المراكز العالية والوزراء السابقين، وقيادات جماهيرية ونقابية هامة، وفنانين..تحت شعار »مجلس لعقل الأمة«. والغرض الثالث، هو إيجاد حرية تمثيلية، تتولي مسئولية إدارة الصحف الكبري، التي خضعت لقانون تنظيم وليس تأميم الصحافة، لكي تكون خاضعة ل »الشعب« ممثلا في مجلس نيابي الشوري.. بعد أن كانت عمليا آلت إلي الدولة، ممثلة في الحكومة. كل ذلك، مجلس الشوري بوظائفه الثلاث، كان تعبيرا عن تزييف في تزييف.. وإيهام ب »ديمقراطية« حقيقية. وقد ظل هذا المجلس المصطنع موضع تجاهل من الشعب والقوي السياسية.. برغم طنطنات الاعلام عنه.. والمعروف أنها مفروضة، لأن رئيس المجلس هو نفسه رئيس المجلس الأعلي للصحافة.. وأمين عام الحزب الوطني. وبعد ثورة 52 يناير، كان يفترض أن تزيح هذا المسخ البرلماني المشوه، لولا أن الذين وضعوا الاعلان الدستوري أبقوا عليه.. ومع ذلك، وفي أول انتخابات بعد الثورة، وبينما حضر لانتخابات مجلس الشعب قرابة 06٪ من الناخبين.. تجاهل الشعب مجلس الشوري بشكل واضح، حيث لم يحضر من الناخبين سوي اعداد قليلة، لا يتجاوز 9٪. وطبعا الذين صوتوا أقل من ذلك، مما جعل المستشار عبدالمعز ابراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات يقول إن هذا العزوف الجماهيري هو بمثابة استفتاء شعبي يرفض مجلس الشوري. وقد كتبنا عندئذ أنه أن ينص الدستور الجديد، وقانون الانتخابات، علي ضرورة حضور نسبة معتبرة من الناخبين 52٪ مثلا لكي تتم انتخابات أي مؤسسة تمثيلية. المثير للدهشة ان هذا المجلس فرض نفسه، رغم رفض الشعب له، تصر الاغلبية التي سيطرت عليه، دون أي اعتبار للإرادة الشعبية، لم يجد ما يعمله سوي التنفيذ الفج لأسوأ مهمة اصطنعها النظام الساقط لهذا المجلس، وهي الهيمنة السياسية، علي الصحافة القومية، بالتحكيم، بالذات، في رؤساء تحريرها!. إن هذا المجلس يجب ان يلغي تماما، ليس فقط لأنه لا ضرورة له، ولكن للأسباب التي أوجدته من الاصل.. والأهم للدور المعادي للديمقراطية الذي يصر وارثو الحزب الوطني، ان يستمر في أدائه. لكن البعض يريد استبدال مجلس الشوري بمجلس الشيوخ. فهل هذا ضروري؟.. يقولون ان وجود غرفتين للتشريع اضمن لسلامة القوانين، والحقيقة أننا لانواجه في ذلك اي مشكلة. فكل القوانين. قبل إجراءات إصدارها، تخضع لتدقيق مجلس الدولة، وبعد صدورها للمحكمة الدستورية العليا، أما ما يصدر وفيه خلاف في الاهداف، فهذا يخضع للجدل السياسي، وليس القانوني. أما أن دولا كثيرة تأخذ بنظام المجلسين، فهذا صحيح، لكن لضرورة، فالبلاد غير المركزية، التي بها ولايات، أو أقاليم، أو مقاطعات.. تقيم مجلسا لنواب عموم البلاد وإلي جانبه مجلس لممثلي هذه الولايات أو الاقاليم والمقاطعات، التي عادة تتمتع بلا مركزية، وقوانين محلية خاصة، تصدرها مؤسسات نيابية محلية. ويذكر هنا أن مصر نفسها كان بها قبل ثورة يوليو مجلسان، لنواب والشيوخ، ولذلك ليس غريبا أن نعود لتجربتنا. والحقيقة أن الظروف مختلفة تماما، فزمان كان الشعب بكل طبقاته، بمن فيها الطبقة الوسطي، العريضة والصاعدة، تمثل بطلائعها السياسية في مجلس النواب، أما مجلس الشيوخ فكان مجلسا للاعيان من الباشوات والبكوات، أصحاب الاقطاعيات الكبري والشركات الكبري. وهي اوضاع لا مجال لها الآن،بعد ثورة 52 يناير وأهم شعاراتها العدالة الاجتماعية، بما يعني تقريب الفوارق بين طبقات المجتمع. لماذا لاتوجد من المؤسسات ما يلزمنا فعلا.. والذي يساهم عمليا في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة؟ إننا نقترح بدلا من مجلس الشوري، أو مجلس الشيوخ مجلسا يكون بالفعل »عقل الأمة«: المجلس الوطني لثوابت الدولة لتوضيح الفكرة نخصص المقال التالي