سيحاسب التاريخ المستشار طارق البشري انه خان المستشار طارق البشري، قبل ان يقود بلجنته اكبر عملية خداع وانحراف بمسيرة الثورة ليفعل فعلة السامري بأن يأخذ قبضة من دماء الشهداء والمصابين ويلقي بها في صندوق الانتخابات ليجعل له خوار كما فعل السامري بعجل أتباع موسي عليه السلام، ويدعو لعبادته. أنهت مصر المرحلة الانتقالية، بارتباك قانوني وقضائي شديد، لتبدأ مرحلة البطلان، كافة الإطراف تستدعي القضاء ليحارب عنها معركتها في إبطال ما لا تقبل ولتقرير ما تريد. وسط هذا الصخب تدور حرب الدستور في معارك متعددة وليست معركة واحدة. ويعاني الدستور من ذات منهج السامري في تشكيل الجمعية الوطنية للدستور والمعرضة للبطلان لأنه جري التعامل معها علي أنها غنيمة لأغلبية غزوات الصناديق، دون اعتبار لما جرته تصرفات الاستحواذ والإقصاء التي أدارها تيار الإسلام السياسي ليعود بمصر لعصر الفساد السياسي من جديد ولكن هذه المرة تحت عباءة الدين. تبدو ثلاثة معارك اساسية في الدستور القادم بلا أب، ولكنها متروكة لصياغات الهوي والاستحواذ والرأسمالية المتوحشة التي تمثلها الخيارات المعلنة لتيارات الاسلام السياسي. المادة الثانية ليست بمعركة علي الإطلاق، ولكن الادعاء بذلك هو محاولة خداع للانفراد بقضايا الدستور الأساسية. معركة الدستور الحقيقية الاولي هي المعركة الاقتصادية، بمعني التنمية والعدالة الاجتماعية وكيفية تحقيقهما وسط عالم متغير، وفي مصر المنهكة اقتصاديا بخيارات كانت ترتبط ومصالح تحالف الثروة والسلطة في نظام ما قبل يناير 2011 والتي أدت إلي إهدار للثروة القومية وتشكيل طبقة جديدة من الرأسماليين الجدد الذين نجحوا في حصار أي فكر اقتصادي علمي يمكنه أن يحدد مسارا جادا للتنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية وما يترتب علي ذلك من ترتيب للأوضاع السياسية في المجتمع. معركة تقودها رؤية الوعي المحدود للرأسمالية المتوحشة التجارية التي لا تدرك في ثقافتها غير الاقتصاد الريعي والنفاذ من القوانين وتجاوزها لجمع الاموال بغاية تمويل تنظيمات سرية وليس لبناء اقتصاد امة، وهو مفهوم الاقتصاد والتنمية للعناصر المنتمية لتنظيمات التيار السياسي السرية منها "جماعة الإخوان"، أو المعلنة من أحزاب أنشأها التيار السياسي الديني بمخالفة واضحة لقانون الأحزاب، وصمت مطلق من لجنة الأحزاب التي كان يرأسها المستشار القدير حسام الغرياني، وهو نفسه الذي شاءت الأقدار أن يكون رئيس الجمعية الوطنية لوضع الدستور. ولا يتجاوز رؤية العدالة الاجتماعية مفهوم الإحسان وليس أن الناس شركاء في ثلاث "الماء والكلأ والنار"، وهي أساس لمعني شراكة الأمة في مصادر الحياة والإنتاج. هذه القضية لا يمكن لمصر الثورة الشعبية بعد ان رفعت شعارها "عيش حرية عدالة اجتماعية"، ان تتركها لانفراد لا يدرك مضمون القوي الاجتماعية بالمجتمع، ويقسم المجتمع بحسب الدين، نكوصا علي حضارة الأمة وتجاربها والعصر الذي نحياه، ونداء استقلال القرار الوطني واستعادة مصر لمكانتها، وليس هناك من سبيل الي ذلك بغير رؤية اقتصادية تحقق حرية القرار الوطني. والمعركة الثانية، هي العلاقة بين القوات المسلحة والدولة، وهي ليست بدعة، وليست عرضة لرغبة هنا او هناك، وبدون تحديد هذه العلاقة وبوضوح لن تكون هناك دولة، ولن يستقيم لادعاء الدولة الديمقراطية وجود. الأساس في هذه العلاقة هو قرار الحرب والسلام، وكيف استقر المجتمع الإنساني منذ مئات السنين ان قرار الحرب قرار سياسي، وان مهمة القيادة العسكرية هي ادارة العمليات العسكرية المترتبة علي هذا القرار إن قبلت به دون أي تدخل خارج عن القائد العام وهيئة أركانه، او تترك مكانها لمن يقبل به. والواجب علي الادارة السياسية ان تتيح كافة الإمكانات لإعداد القوات وتدريبها وتوفير ميزانيات التسليح المناسب مع المهام القتالية المتوقعة، وللمؤسسات الديمقراطية حق دراسة الميزانيات، وهي في هذه الحالة تراقب أداء ولا تبحث في شأن السلاح وأنواعه ومصادره. هذا الأمر ليس بغريب علي العسكرية المصرية، فقد وضحت هذه المفاهيم في أعقاب يونيو 1967 وتضمنت كتابات امين هويدي، رحمه الله، هذا المفهوم تفصيلا، ولن أحيل إلي كتابات كلاوزفتز او هينجتون، والادعاء بأنها أمور مستحدثة علي العسكرية المصرية ادعاء يجافي الحقيقة. والمعركة الثالثة، هي معركة السلطة الرابعة، الصحافة، فمن الواضح ان محاولة اغتيال حرية الصحافة جارية علي قدم وساق تحت دعاوي تحتكم الي صندوق السامري، فأهل المهنة لديهم رؤية في الملكية والإدارة وقوانين الصحافة، وهي حزمة واحدة تشكل رؤية متكاملة بدونها يصبح ما يدور في اللحظة هو استكمال الاستحواذ علي مكونات الدولة ومؤسساتها. هذه المعارك، تبدأ من طبيعة تشكيل الجمعية التأسيسية والرؤي الثلاث هي أساس لبداية بناء ديمقراطي لمصر بصياغة العقد الاجتماعي لمصر بعد ثورة يناير الشعبية. ان مصر كلها بكل فئاتها وقواها الاجتماعية هي عناصر هذه المعارك، ليست قضايا فئوية بقدر كونها أعمدة البناء الديمقراطي، ورجال الاقتصاد في مصر ورجال الصحافة هم الأساس في تشكيل الموقف المتسق مع الإرادة الوطنية لبناء مصر الثورة، ولا يجب ترك الأمر وسط مرحلة البطلان لرغبة الاستحواذ وأنانيتها.