نبىل زكى لم تعد الخطب الرنانة والشعارات البراقة والوعود والكلمات المعسولة تؤثر في المصريين بعد تجارب مريرة عديدة.. سابقة. ولذلك فان الجميع ينتظرون الأفعال قبل الأقوال ويتوقعون الاجراءات العملية قبل الجدل البيزنطي حول كل شيء يخطر علي البال. وعلي سبيل المثال.. فانه عندما يتحدث الدكتور محمد مرسي عن احترام القانون والدستور، عليه ان يلتزم بقرارات وأحكام المحكمة الدستورية العليا بشأن بطلان قانون الانتخابات الذي جرت علي أساسه الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وبالتالي، اعتبار مجلس الشعب غير قائم أو معدوما تماما، وليس هناك ما يدعو الي أي مماحكات أو مساومات في هذا الشأن. وكما قال الفقيه الدستوري الدكتور ابراهيم درويش، فانه اذا قام الدكتور محمد مرسي بمس أي حكم قضائي، فسوف تنهار الدولة القانونية، وسيكون الكلام الذي قاله حول احترام القضاء.. كأنه لم يكن.. فالقانون ليس وجهات نظر.. وبصرف النظر عن كل التحفظات بشأن الاعلان الدستوري المكمل، وما يشتمل عليه من عيوب، فان الدكتور مرسي خاض جولة الإعادة في ظل هذا الاعلان، وتم اعلانه رئيسا للبلاد وأقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا بموجب هذا الاعلان، كما قالت المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا. ومن ثم، فان استمرار الجدل حول ما يسمي ب»حق مرسي في الغاء الاعلان الدستوري المكمل واصدار اعلان آخر يستفتي عليه الشعب«.. هو إهدار للوقت والجهد والدوران في حلقة مفرغة حول ما اذا كان المجلس العسكري يملك أو لا يملك اصدار اعلان دستوري، بينما يتحتم علينا ان نفرغ بأسرع وقت من اعداد الدستور الدائم والكامل لمصر ثم اجراء الانتخابات البرلمانية. وهنا.. ينبغي تذكير الساخطين علي الاعلان الدستوري المكمل بان معارضتهم الشرسة لوضع دستور للبلاد قبل اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما كنا نطالب به عقب نجاح الثورة -خلال شهري فبراير ومارس من العام الماضي- تلك المعارضة هي السبب في اصدار تعديلات دستورية أعقبها علي الفور اصدار اعلان دستوري ثم اعلانات دستورية مكملة!.. وهي السبب في كل المتاهات والمآزق والطرق المسدودة التي تعاني منها طوال عام ونصف العام.
ولكي يبرهن الدكتور محمد مرسي علي انه يعرف قيمة وأهمية ومحورية قضية الدستور، ولكي يبدأ صفحة جديدة -كما وعد- فان عليه ان ينصح اعضاء حزبه وحلفاءهم بانهاء وجود هذه »الجمعية التأسيسية للدستور« التي لا تمثل أطياف المجتمع المصري وتسيطر عليها أغلبية عددية من التحالف الاخواني -السلفي ومؤيديهم من غير الحزبيين.. وهي الجمعية التي تنطبق عليها نفس حيثيات حل الجمعية التأسيسية السابقة التي رفضتها معظم الأحزاب والقوي السياسية.. تلك هي البداية الصحيحة لصفحة جديدة تتوحد فيها كل القوي الوطنية لبناء المستقبل. وطبقا لقواعد اللياقة السياسية، فان الدكتور محمد مرسي يجب ان ينصح اصدقاءه ويوصي مؤيديه وحلفاءه بعدم انتظار قرار المحكمة بانهاء وجود مجلس الشوري الحالي، الذي كان يجب ان يتوقف عن مواصلة أداء مهامه عقب حل مجلس الشعب. والسبب ان مجلس الشوري تنطبق عليه -حرفيا- نفس حيثيات حكم انهاء وجود مجلس الشعب. ومع ذلك، فان اعضاءه يواصلون نشاطهم كالمعتاد، كما لو كان الأمر لا يعنيهم، أو كما لو كانوا ينتمون الي كوكب آخر لا علاقة له بما يجري علي هذه الأرض!. الأكثر من ذلك، انهم يسابقون الزمن لاستخدام مجلسهم -الشوري- للسيطرة علي الصحف القومية الكبري، مما يبرهن بالدليل القاطع علي انهم يفكرون بنفس طريقة وعقلية واساليب انظمة الحكم السابقة، وهي استخدام مجلس الشوري كمجرد غطاء للهيمنة علي الصحف القومية والتحكم فيها والانفراد باختيار قياداتها لضمان دورانها في فلك الحزب الحاكم. وأصبح المطلوب الآن هو إحلال اتباع الحزب الحاكم الجديد محل رؤساء التحرير ورؤساء مجالس ادارات هذه الصحف، أو تعيين اشخاص يدينون بالولاء لهؤلاء الذين عينوهم في المناصب القيادية في هذه الصحف.. وكان المفترض ان تتغير هذه العقلية وتلك الأساليب بعد ثورة 52 يناير ويجري البحث في وسائل تكفل استقلالية الصحف القومية وتحريرها من سيطرة أي حزب حاكم بحيث يكون ولاؤها للوطن وللقارئ فقط.. وهذا نموذج لما كان ينبغي ان تكون عليه الأفعال.. التي لا تكتفي بالأقوال التي تشير الي احترام التعددية والتنوع وقبول الرأي الآخر.
واذا كان الدكتور محمد مرسي يريد ان يكون رئيسا لكل المصريين، فان عليه ان يترجم هذا الكلام الي خطوات عملية عن طريق حل تلك المشكلة المزمنة التي أثارت القلاقل في المجتمع المصري، وهي تنظيم بناء وترميم الكنائس والتعهد باصدار قوانين تعاقب بالحبس والغرامة كل من يميز بين مواطن وآخر علي أساس الدين أو المعتقد أو الجنس أو العرق أو المركز الاجتماعي أو الانتماء السياسي والحزبي، وكذلك قوانين تعاقب بالحبس والغرامة كل من يحرض علي كراهية دين آخر، أو يمارس دعاية ضد اتباع دين آخر.. وقوانين تحمي حرية ممارسة الشعائر الدينية. ولو أراد مرسي ان يفتح صفحة جديدة فان عليه ان يتعهد باصدار قانون يجرم اساءة استعمال الدين لأغراض سياسية أو تجارية أو شخصية.. كما ينص علي تجريم التكفير. وهذا هو الموقف العملي الذي يعني تطبيق مبدأ المواطنة.
وليس من المنطقي ان يكون الدكتور مرسي رئيسا لكل المصريين.. اذا استمرت عضويته في جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة. وكان مرسي قد اعلن خلال مؤتمر سياسي في نادي بلدية المحلة الكبري مساء أول مايو 2102 انه قبل الترشح للرئاسة نزولا علي رغبة الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة ومجلس شوري الإخوان المسلمين، الذي لا يملك الا ان يقول لهم »سمعا وطاعة«.. مشيرا الي ان ترشحه جاء علي غير رغبته، وانه سيتنازل عن رئاسة الحزب ليكون رئيسا لكل المصريين، ولكنه -كما قال- لن يتخلي عن أخلاق ومبادئ الجماعة التي تربي عليها.. ولا مشكلة في عدم تخلي مرسي عن أخلاق جماعته أما »المبادئ«.. فهذا شأن آخر يعني الالتزام الحزبي واستمرار نهج »السمع والطاعة«. ولكي يرضي مرسي جموع المصريين، فان عليه ان يطلب من ابنائه التخلي عن الجنسية الامريكية، وان يعيد النظر في انشطة وممارسات الاحزاب الدينية المتطرفة التي تمزق النسيج الوطني ويعربد بعض اتباعها في الشوارع لترويع وقتل المواطنين. وفي النهاية، فان علي الدكتور مرسي ان يمارس فضيلة النقد الذاتي.. فهذه الممارسة دليل علي الأمانة السياسية والشجاعة الفكرية.. وعلي سبيل المثال، فان مرسي وعد، في خطابه في المحلة الكبري،.. بإعادة »فتح مصر«! أي انه عمرو بن العاص الجديد، الذي يحمل معه الدين الاسلامي الي المصريين الكافرين»!« وذلك لأول مرة!! ألا يحتاج هذا الموقف الي تصحيح من جانب من يتحدث عن المواطنة وعن رئاسة كل المصريين وعن التسامح الديني؟ الحكماء يقولون ان المؤمن الحقيقي اذا قال صدق، واذا وعد وفي، واذا اؤتمن لم يخن. ويقول الدكتور القصبي زلط، استاذ التفسير بجامعة الازهر، انه قد يحول حائل بين ان يفي الانسان بالعهد، فمن الرجولة في الاسلام ان يعتذر الانسان عن عدم الوفاء بعهده، ويظهر ذلك لمن اتفق معه. كلمة السر: بداية صحيحة لفتح صفحة جديدة.