إبراهيم سعده اعترض المحامي الكبير د. محمد سليم العوا علي معايير اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور وتقسيمهم إلي 50٪ للمرجعية الدينية و 50٪ للمرجعية المدنية. فمن رأي الدكتور العوا أن هذا التقسيم ينشيء الطائفية في مصر وهو مايرفضه. فلا أساس للدولة الدينية في الإسلام، بينما الدولة الإسلامية هي مدنية. كما حذر المحامي الشهير من تشابه هذا التقسيم بتجربة لبنان الطائفية. ونفس الاعتراض سمعناه أيضاً من الأحزاب السياسية التي أعلنت انسحابها من المشاركة في التأسيسية. وهذه الاعتراضات خاصة بأصحابها. وفي المقابل هناك كثر وافقوا علي هذه المعايير ورحبوا بالمشاركة في أعمال اللجنة وتمسكهم في الوقت نفسه بأن الدستور القادم سيأتي معبراً عن كل فئات وطوائف الشعب وليس حكراً علي فصيل واحد من المجتمع. ولأن الشائعات تتوالي، والبلبلة منتشرة.. فما أحوجنا في هذه الأيام إلي التريث قبل التنبؤ بما نتوقعه من "التأسيسية" فتفاجئنا بدستور يفوق هذه التوقعات، يتضمن كل ما نصت عليه دساتير الدول الديمقراطية الأصغر منا والأكبر من حقوق وحريات وواجبات تشكل هوية الدولة المدنية العصرية ومن أهم شعاراتها: "الدين لله والوطن للجميع"، وهو الشعار الذي نادي به الزعيم المصري الذي لا ينسي: سعد زغلول، والتزمت به دساتيرنا المتوالية وآخرها دستور 1971 الذي أوقفنا التعامل به بعد ثورة يناير 2011 ليعاد النظر في مواده مادة بعد أخري وإلغاء ما أضيف إليه من مواد وتفسيرات ثبت عوارها، ووضع مواد بديلة تصلح ما أفسده ترزية القوانين. ليس هذا فقط.. بل سمعنا فقهاء القانون الدستوري الذين كتبوا، ونادوا، بالإبقاء علي العديد من مواد دستور71 خاصة في باب الحريات ومدنية الدولة والنص عليها في الدستور المنتظر. التوصل إلي هذا الدستور لن يكون صعباً علي اللجنة التأسيسية، بشرط توافق المشاركين فيها علي المباديء الرئيسية والأساسية التي تتمسك بها الأغلبية المصرية المتسامحة، في مواجهة الأقلية المتعصبة لرأي أو عقيدة تحاول المتاجرة بها وفرضها علي الأغلبية (..). حقيقة أن التأسيسية ستضم كما نتمني أكبر عدد من أساتذة وفقهاء القانون الدستوي، ويفترض أن يستمعوا لآراء وأفكار واقتراحات باقي الأعضاء ، وعلي هؤلاء من غير المتخصصين في القانون أن ينصتوا بدورهم لردود المتخصصين القانونيين الدستوريين علي أفكارهم واقتراحاتهم وضرورة احترامهم لها لأن هؤلاء الفقهاء هم الأقدر علي بلورة حقوق المواطنة وواجباتها أكثر من غيرهم. كتابة الدستور يجب تركها لهؤلاء الفقهاء ما دمنا ارتضينا بأشخاصهم وعدالتهم وخبراتهم بالدساتير العصرية التي تدفع المجتمعات إلي الأمام، وليست تلك التي تعيدها إلي ما قبل العصور الوسطي! فقهاء القانون الدستوري، من بين أعضاء اللجنة التأسيسية ، لديهم من الخبرات والتجارب كما قلت من قبل ما ليس لدي غيرهم من الأعضاء غير المتخصصين. ليس هذا فقط.. بل أن هؤلاء الفقهاء الأفاضل من التواضع لدرجة ترحيبهم بالإطلاع علي العديد من اقتراحات تقدم أصحابها من زملائهم أساتذة القانون كمشروعات لبناء وصياغة دستورنا القادم. ومن أحدثها مشروع المباديء الذي أعدته كوكبة من هؤلاء الفقهاء، وأعلنتها نيابة عنهم الأستاذة المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا بالأمس. لا أتصوّر أن تمر اللجنة التأسيسية مرور الكرام الصامتين المتجاهلين وغير المبالين علي ماجاء في هذه الوثيقة. علي العكس.. أنتظر من أعضاء اللجنة المفترض حيادها والتزامها بعصريتها التوقف بإمعان شديد أمام ال20 مادة التي نصت الوثيقة عليها، خاصة تلك المتعلقة بالحريات والحقوق والمواطنة. وبالأمس أشرت إلي المادة الثانية التي تنص علي هوية الدولة، وديانتها، ولغتها الأساسية، ومباديء الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع.. بنفس ما كان موجوداً في دستور 71. وما أكثر المباديء العصرية التي تلتها، فمنها علي سبيل المثال المبدأ القائل الداعي إلي: تحديد الآليات الضامنة لحماية الدولة المدنية الجيش، وحق الأحزاب والهيئات والمجتمع المدني في اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لمواجهة الانتهاك العملي أو التطبيقي الذي يهدد مقومات الدولة في مدنيتها أو ديمقراطيتها أو وحدتها الوطنية أو الجغرافية. .. واشتراط : وضع الضمانات الدستورية للتوزيع العادل للثروة الوطنية وتحقيق الحماية الدستورية للعدالة الاجتماعية بأن يتضمن علي وجه الخصوص؛ التأكيد علي أن الاقتصاد الوطني يقوم علي التنمية الشاملة وفتح آفاق الاستثمار، وعدالة توزيع الناتج القومي، وكفالة القضاء علي البطالة وزيادة فرص العمل، وضمان الحد الأدني للمعيشة، وتنظيم الحد الأقصي والأدني للأجور بقانون، وكفالة قيام الدولة بدورها في ضمان ذلك. والنص علي حماية حق الملكية بصوره الثلاث:العامة التعاونية الخاصة. .. وللحديث بقية.