رفضت اللجنة التشريعية بمجلس الشعب فى جلستها المنعقدة اليوم المعايير التى تم الاتفاق عليها بين القوى السياسية والمجلس العسكرى حول تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور ورأى أعضاء اللجنة أن ما تم أمس من اختيار اللجنة بهذا الطريقة يعد تعديا على صلاحيات البرلمان حسب المادة 60 من الإعلان الدستورى الذى يعطى للبرلمان سلطة تحديد معايير اختيار اللجنة التأسيسية . وكان اجتماع المجلس العسكرى بالقوى والأحزاب السياسية قد انتهى أمس بعد الاتفاق على المعايير الجديدة لكتابة الدستور حيث تم الاتفاق على تمثيل كافة الفئات والأحزاب والمؤسسات الدينية والمدنية بواقع 37 مقعدا للأحزاب السياسية و63 لجميع فئات المجتمع يتم توزيعها كالتالى : يرشح الأزهر 4 شخصيات وترشح الكنائس المصرية بمختلف طوائفها الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية 6 شخصيات كما يتم اختيار 2 لتمثيل الفلاحين و2 لتمثيل العمال و10 من فقهاء الدستور والقانون وعضو من كل هيئة قضائية هذا بالإضافة إلى شخصيات عامة ممثلة للمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة وباقى شرائح وفئات المجتمع .. على أن تقوم الأحزاب السياسية باختيار من يقوم بتمثيلها فى اللجنة التأسيسية. وبعد رفض تشريعية الشعب لهذه المعايير دخلنا فى أزمة جديدة .. يحلل أبعادها الفقيه الدستورى الكبير الدكتور إبراهيم درويش فى الحوار التالى : فى تقديرك ما هى أفضل طريقة لاختيار اللجنة التأسيسية للدستور وفقا لأنجح التجارب الدستورية فى العالم؟ الدستور لا يجب إطلاقا أن يشترك فى وضعه أى حزب أو قوى سياسية وإنما تكتبه لجنة محايدة لا ترتبط بأجندات أو مصالح أو مشروعات خاصة وهذا هو السبيل الأوحد لصياغة دستور محترم وفق أنجح التجارب الدستورية فى العالم . وكيف يتم اختيار هذه اللجنة المحايدة ومن أهم أعضاؤها؟ هذه اللجنة المحايدة لا يتجاوز عدد أعضائها عن 15 عضوا وتتشكل من كبار المفكرين والكتاب وفقهاء القانون الدستورى وهؤلاء يتوافق على اختيارهم المجتمع بحيث لا يمثلون جهة معينة ولا يرتبطون بمصالح أو أجندات ويجتمعون مع باقى الأحزاب والقوى السياسية والمدنية والدينية ويستمعون إلى رؤيتهم ومطالبهم الخاصة بصياغة الدستور كما يجلسون مع ممثلين عن المرأة والمجتمع المدنى والعمال والفلاحين وفى النهاية يجمعون هذه الرؤى المختلفة والمتنوعة ويقومون بالتوفيق بينها ثم تتم صياغة الدستور الذى يعد حلما ل 200 سنة قادمة. ونحن عندنا كتاب ومفكرين وخبراء على مستوى عال جدا لكن يتم تجاهلهم. أما عن التصويت على المواد فيكون بالإجماع وليس بنسبة 50 أو 75% . اليوم رفضت اللجنة التشريعية بمجلس الشعب المعايير الجديدة التى اتفقت عليها القوى السياسية مع المجلس العسكرى فهل ترى أننا سنشهد أزمة جديدة وخانقة فى اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية؟ أنا لا أعرف ما يدور داخل أروقة الأحزاب .. لكن ما أريد أن أقوله أن الأنا والمصالح والأجندات أصبحت مسيطرة على الفكر السياسى فى مصر وهذا يهدد بكارثة خطيرة وتمزق واختلاف وصراعات تؤجل أى مشروع وطنى طموح . لكن اللجنة التشريعية تستند فى رفضها لهذه المعايير للمادة 60 من الإعلان الدستورى الذى يعطى الصلاحية للبرلمان فى انتخاب أعضاء التأسيسية؟ لا .. هم يفسرون نص المادة تفسيرا خاطئا حسب أهوائهم وهذه المادة هى سبب الكارثة والنكبة بل ان الإعلان الدستورى نفسه إعلان معيب والاستفتاء على المبادىء الدستورية كان بداية الخطأ .. نص المادة يقول أن أعضاء البرلمان ينتخبون أعضاء التأسيسية ولا ينتخبون أنفسهم أى هم من يختارون ولا يتم اختيارهم فهذا هو التفسير السليم للمادة وهذا ما قضت به محكمة القضاء الإدارى بأن يكون أعضاء التأسيسية من خارج البرلمان حسب نص المادة 60. هل تلقيت دعوة للمشاركة فى اللجنة التأسيسية للدستور سواء فى المرة الأولى أو فى هذه المرة التى نصت فيها المعايير الجديدة على أن يكون باللجنة 10 من خبراء القانون الدستورى؟ لا .. لم يطلب منى أحد أن أشارك سواء فى المرة الأولى أو المرة الثانية .. لكن أنا الآن مشغول بصياغة الدستور التركى باعتبارى واحدا من أعضاء اللجنة التأسيسية به وسيكون الدستور التركى نموذجا رائعا للدساتير العالمية ويتكون من 60 مادة فقط كما تلقيت دعوة للمشاركة فى صياغة الدستور الليبى وأستعد لذلك كما تلقيت دعوة للمشاركة فى صياغة دستور إحدى الدول الخليجية لكنى اعتذرت عنها. كما شاركت فى صياغة وكتابة دساتير كثيرة على مستوى العالم وأنا لا أفرض نفسى على أحد ومن يطلب إستشارتى فلن أتأخر. وأذكر أن الأستاذ فاروق جويدة بنفسه فى أول اجتماعات اللجنة التأسيسية المنحلة قال أمام كل الكاميرات أنه مستعد أن يتنازل عن عضويته فى اللجنة من أجلى وأنا لا أعرفه شخصيا لكنه يسمع عنى . دستور 23 تمت كتابته فى عهد الاحتلال والنظام الملكى الطاغى ورغم ذلك خرج بشكل رائع فلماذا نقع فى كل هذه الحيرة والظروف التاريخية أسهل وفى أيدينا؟ لأننا فى الماضى كنا نرفع علم مصر .. كانت مصر فوق الجميع .. اليوم أى شىء أصبح فوق مصر، وأصبحت المصالح أهم من أى قيمة وطنية فنحن نعيش فى حقبة صعبة مليئة بالصراعات السياسية وقيمة الوطن فيها تتراجع بشدة. يجب أن نتجرد من المصالح أولا وأخيرا ثم بعد ذلك نفكر فى صياغة الدستور