شغل منصب نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي ليكون مسئولا عن تنفيذ برنامج يهدف إلي تحقيق أهداف ثورة 25 يناير.. وكانت مهامه تشمل التنسيق والتقريب بين جميع الأحزاب والقوي السياسية للتوصل إلي توافق مجتمعي حول وثيقة المباديء الأساسية لحقوق الإنسان المصري والمقومات الأساسية للدولة وتحديد المتطلبات التشريعية والقانونية والتنظيمية لإعداد البنية الأساسية للنظام الديمقراطي الجديد. انه الدكتور علي السلمي، الذي نشر أخيراً قصة الأزمة التي أثارتها وثيقته التي اشتهرت باسم »وثيقة السلمي«، في كتابه الجديد »التحول الديمقراطي واشكالية.. وثيقة المباديء الدستورية«. لقد تعرضت »وثيقة إعلان المباديء الأساسية لدستور الدولة الحديثة ومعايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد« لحملة شعواء من جانب التيار الديني الذي نظم المظاهرات ضدها باعتبارها »وثيقة العار«! و»خطيئة علي سلمي«!.. تكشف صفحات الكتاب عن أن جماعة الإخوان وحزبها سبق أن وافقا علي هذه الوثيقة قبل ان تعلنها حكومة الدكتور عصام شرف، وكيف كانت تلك الوثيقة، في الأساس، محاولة لتصحيح خطأ تاريخي، وهو اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل وضع الدستور »مما يعني بناء عقار دون وضع الأساس الذي يقوم عليه البناء«. كان د.السلمي يري أن من الأسباب الجوهرية لقيام ثورة الخامس والعشرين من يناير.. إحساس الشعب بضرورة إعداد دستور جديد للبلاد تصوغه جميعة وطنية منتخبة ليكون عماد عملية التطوير الديمقراطي الشامل ويجري صدوره بتوافق وطني يأخذ كل التوجهات والآراء في الاعتبار.. ويري د.السلمي انه كان من الخطأ تبديد وقت ثمين في تعديلات دستورية والاستفتاء عليها في 19 مارس 2011 ثم الاضطرار إلي اصدار اعلان دستوري يوم 30 مارس يحتوي علي 60 مادة مأخوذة من دستور 71 المعطل. وكان خلاف حاد قد نشأ بين فريقين من المصريين في أعقاب الاستفتاء: الفريق الأول الإخوان والسلفيون وأحزاب دينية أخري يتمسك بما أسفر عنه الاستفتاء من تقرير اجراء الانتخابات التشريعية قبل الدستور بينما تحتشد الأحزاب المدنية وأغلب ائتلافات واتحادات شباب الثورة للمطالبة بحتمية إعداد الدستور الجديد للبلاد أولاً ثم اجراء الانتخابات الرئاسية تليها الانتخابات التشريعية. ويقرر السلمي أن أغلب المشاركين في اجتماعات الحوار الوطني برئاسة د.عبدالعزيز حجازي وموتمر الوفاق القومي برئاسة د.يحيي الجمل كانوا يؤيدون الرأي الثاني، كما اعربت عناصر مهمة في الحكومة عن مساندتها لهذا التوجه، في مقدمتهم د.عصام شرف رئيس الوزراء في ذلك الوقت.. غير أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة وقف إلي جانب رأي الفريق الأول. ويقول السلمي إنه برزت في مناقشات مؤتمر التضامن القومي في شهر مايو 2011 الدعوة إلي اصدار الدستور الجديد قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتوافق المؤتمرون علي ان اعلان وثيقة مباديء لدستور الدولة الحديثة يعتبر حلا ناجعا للخروج من مأزق المطالبة بالدستور قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وبالفعل، وضع المؤتمر وثيقة رائعة لاعلان المباديء الأساسية تتضمن المباديء الحاكمة والحقوق والحريات الأساسية وضمانات حمايتها، ثم صدرت مبادرة جماعة الإخوان تحت عنوان »حوار من أجل مصر«، في ضوء مناقشات في اجتماعات مع أحزاب وقوي سياسية أخري في أيام 16 و22 مارس والخامس من أبريل 2011. وأصدر حزب الوفد في عام 2011 وثيقة للمباديء الأساسية للدستور في محاولة لتحقيق حالة من التوافق الوطني حول قضية الدستور.. كذلك صدرت وثيقة الائتلاف الوطني للتغيير، وشارك في وضعها رؤساء وممثلو احزاب الوفد والتجمع والناصري والغد والجبهة الديمقراطية والوسط والكرامة.. وجماعة الإخوان ثم جاءت مبادرة »التحالف الديمقراطي من أجل مصر«، الذي يضم مجموعة من الأحزاب السياسية منها حزب الحرية والعدالة، وهي اصدار وثيقة من أجل دولة المواطنة والقانون.
هنا يتوقف القاريء أمام واقعة بالغة الأهمية يوردها د.السلمي في كتابه، وهي ذلك الخطاب الذي بعث به الدكتور سعد الكتاتني أمين عام حزب الحرية، والعدالة، إلي الدكتور يحيي الجمل، نائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت، ليخطره فيه بأن »التحالف الديمقراطي من أجل مصر« الذي يضم حزب الحرية والعدالة قد أقر وثيقة للمباديء الحاكمة للدستور، وبذلك ينتهي الجدل حول موضوع »الدستور أولا أم الانتخابات«. ومضمون الخطاب يتناقض مع كل المواقف اللاحقة لجماعة الإخوان التي كانت تصيب قادتها حالة غضب عارم اذا سمعوا كلمة »المباديء الحاكمة للدستور«، كذلك يتناقض مضمون الخطاب مع الحملة المحموعة علي وثيقة السلمي التي زعم هؤلاء القادة انها تمثل التفافا علي نتائج الاستفتاء الذي جري في 9 مارس 2011، وقد اشتدت تلك الحملة إلي حد المطالبة بإقالة السلمي من الوزارة وتنظيم مظاهرة الثامن عشر من شهر نوفمبر 2011 للمطالبة بسقوط الوثيقة.. وقد نشأت فكرة وضع مجموعة من المباديء الدستورية الأساسية، التي يتضمنها الدستور الجديد كضمان لكي لا ينفرد أي فصيل سياسي بصياغته وفقا لتوجهاته دون الالتزام بآراء طوائف الشعب جميعا.. ويؤكد د.السلمي ان الحقيقة الغائبة عن الجماهير هي ان بداية الفكرة كانت ورقة بعنوان: »معا نبدأ البناء.. مبادرة من أجل مصر«، صدرت عن جماعة الإخوان نفسها، كما أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة وجه بيانا إلي الأمة في 12 يوليو 2011 للمطالبة »بضرورة اعداد وثيقة مباديء حاكمة وضوابط لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد واصدارها في اعلان دستوري بعد اتفاق القوي والأحزاب السياسية عليها«. وقد بدأ الحوار حول وثيقة السلمي اعتبارا من السبت السادس من أغسطس واستمر إلي الخميس 17 نوفمبر 2011.. ويسجل د.السلمي في كتابه انه في 13 اغسطس 2011، وافقت جماعة الإخوان بحضور د.محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، وسعد الكتاتني امين عام الحزب، والدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، علي الصيغة النهائية للوثيقة بعد تحقيق التوافق حولها. إذن.. لماذا بعد كل تلك اللقاءات والوثائق والتوافقات قامت تلك الحملة المسعورة علي وثيقة السلمي؟! فالمباديء الأساسية للدستور لم تأت من فراغ، وإنما هي حصيلة أكثر من عشر وثائق لاعلانات مباديء جري توحيدها وتجميع ما بينها من قواسم مشتركة. وفيما عدا المادتين التاسعة والعاشرة من وثيقة السلمي، واللتين عرض صاحب الوثيقة صياغة جديدة مقبولة لهما.. فإنه لم يكن في الوثيقة أي جديد لم يشارك حزب الإخوان في صياغته. وفي اجتماع عقد يوم 17 نوفمبر الماضي حضره رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي والدكتور محمد عبدالمقصود، ممثل الهيئة السلفية ونائب رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة ورئيس الوزراء والدكتور السلمي، لم يطلب مرسي أو عبدالمقصود حذف المادتين التاسعة والعاشرة،، فالمؤلف لم يشر إلي ذلك وانما طلب: 1 إسقاط صفة المدنية عن الدولة. 2 جعل الوثيقة غير ملزمة بحيث تكون مجرد استرشادية. 3 رفض صيغة ان المباديء الأساسية والحقوق والحريات العامة الواردة في هذا الاعلان الوثيقة لصيقة بالمواطن ولا يقبل وقفا أو تعطيلا أو انتقاصا، ولا يجوز لأي من سلطات الدولة أو مؤسساتها أو لأي جماعات أو أفراد القيام بأي عمل يهدف أو يؤدي إلي اهدارها أو الانتقاص منها أو الإخلال بها. وطلب المسئولان الإخواني والسلفي ان تحل محلها صيغة أخري هي: ان »المباديء الأساسية والحقوق والحريات العامة الواردة في هذه الوثيقة تعد توافقا وطنيا وميثاق شرف يسترشد به عند وضع الدستور الجديد«.. والفارق واضح بين الصيغتين لكل من يعيد قراءاتهما.. وهنا يقول د.السلمي في كتابه انه تمت الموافقة علي المطالب الثلاثة لمرسي وعبدالمقصود! ولم نفهم من الذي وافق. هل هو عصام شرف والسلمي أم هما ونائب رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة؟ أم أن موافقتهما كانت علي المطلب الأول والثاني دون الثالث؟ المهم أن السلمي يقول إن الدكتور عصام شرف، وهو نفسه وجد ان قبول الصيغة المقترحة من جانب حزب الحرية والعدالة يعتبر إخلالا بالتزامهما الأخلاقي والسياسي نحو القوي الموافقة علي الوثيقة ويفرغها من مضمونها.. فتقرر وقف التفاوض. ورغم أن السلمي يبلغ قراءه بأنه كان واضحا اصرار حزب الحرية والعدالة علي مقاومة التوجه إلي اصدار وثيقة المباديء الدستورية بأي ثمن.. واسقاطها.. إلا أنه لم يشرح لنا سبب هذا الإصرار.. رغم أن القراء اصبحوا جميعا يعرفون هذا السبب! انه مازال يكتب كنائب لرئيس الوزراء.. وليس ككاتب تحرر من القيود الوظيفية والمجاملات.. ولذلك جاء كتابه بمثابة مرافعة للدفاع عن النفس. كلمة السر: الوثائق تقيد من يريد الهيمنة علي عملية وضع الدستور.