عندما ذكرت في الإطلالة قبل الماضية أن وزير الثقافة الجديد، الدكتور محمد صابر عرب، سيقدم ملف علاج أديبنا الكبير مجيد طوبيا علي غيره من الملفات، كنت علي يقين من أنه سيفعل. وفي منتصف الأسبوع الماضي جاءني صوته طالبًا تحديد موعد يتوجه فيه معي لزيارة مجيد في بيته، بعد أن أكد لي أنه سعيد للغاية بالحملة التي تبنيناها في "الأخبار" لإنقاذ هذا الكاتب الكبير الذي اختفي فجأة عن أنظار الجميع ووصل إلي هذه الحالة التي تستوجب من الدولة الحنو عليه ورعايته نفسيًا وإنسانيا. واتفقنا علي أن أمر عليه في منزله، القريب من بيتي، ظهر الخميس الماضي لننطلق سويًا من مدينة نصر إلي بيت مجيد في مصر الجديدة، وعرضت علي الوزير أن أصطحب معي الدكتور علي الشامي، طبيب الأمراض النفسية بوزارة الصحة الذي تابع حالة مجيد، وحرر تقريرًا طبيًا وافيا عنها، وأن نتصل باتحاد الكتاب ليكون حاضرًا هذا اللقاء. وفي الموعد كنا ندق بابه بعد أن أبلغته يوم الأربعاء بأن وزير الثقافة يريد أن يزوره، فرد بتلقائية طفل: "طيب.. طيب.. لكن حضيفه إزاي؟"، فطمأنته ألا يقلق، واتصلت بزوجين من الأدباء المقيمين بالقرب منه: الدكتورة زينب العسال، عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب، والأديب محمد جبريل، لكي يتوجها إلي شقة مجيد ويكونا في استقبال الوزير، فرحبا.. وبالفعل فتحت لنا الدكتورة زينب الباب، وتهلل وجه مجيد أثناء عناق الوزير له، وأجلسه إلي يمينه بعد أن صافح "جبريل" وطبيب الأسنان الدكتور صفوت شفيق، الذي تربطه علاقة ممتدة بمجيد طوبيا، وبالكثير من الأدباء الطليعيين في مصر وذكر للوزير أنه روائي كتب الكثير من القصص وله رواية ومذكرات تدخل في أدب السجون والمعتقلات، وهنا قال مجيد وهو ينظر إلي الدكتور صابر عرب: "معقول.. في بيتنا وزير؟"، فرد الوزير الذي جاء متحررًا من الكرافتة والملابس الرسمية: "أنت قيمة كبيرة وأنا أقرأ لك من زمان ومعجب بأفلامك وأزورك كصديق.. تعلم أنني مؤرخ وهي الصفة الباقية، أما الوزارة فهي أمر عارض"، وهنا سأله مجيد: "تقدر تصّلح لي التليفزيون؟"، فيبادره الوزير: "ده قديم قوي يا مجيد!.. ده أبيض وأسود!.. إيه رأيك نغيره بكره بواحد جديد؟"، فيجيئ رد مجيد: "لأ ..صلحه لي"، فيدرك الوزير مدي اعتزازه بأشيائه القديمة، ويخرج من المأزق هكذا: "نصلحه، إذا عرفنا، وبكرة يكون عندك تليفزيون جديد بالألوان تشوف منه الدنيا"، ثم يباغته بهذا السؤال: "النهار ده تاني يوم لانتخابات رئيس الجمهورية الجديد، فهل أدليت بصوتك؟"، وعنه يجيب الدكتور صفوت: "بطاقة الرقم القومي بتاعته انتهت وأنا عملت له إجراءات تجديدها"، ويعود الوزير إلي إصابة الهدف الذي جاء من أجله، بعد أن ينتحي جانبًا ويجري اتصالاً هاتفياً بالفريق سامي عنان يطلب منه إدخال مجيد طوبيا أحد مستشفيات القوات المسلحة للعناية به، ويعرض علي مجيد فكرة دخول المستشفي لإجراء بعض الفحوص، فيرفض فأقول له: "نريد أن نطمئن عليك لكي لا تقع أثناء سيرك، وحتي تعود إلي الخروج إلي أصدقائك". فيقبل بعد تدخل جبريل وزوجته وهنا ينضم إلينا الدكتور صلاح الراوي، أمين صندوق اتحاد الكتاب، الذي يؤكد لمجيد أن معاشه يحول شهريًا علي حسابه في البنك، فيعلق مستغربًا: "أنا ماعنديش حساب!"، وهنا يطلب الوزير أن يصله المعاش باليد، ثم يقترح علي مجيد أن يختار من بين كتبه ما يود أن تعيد وزارة الثقافة طبعه في هيئة الكتاب أو هيئة قصور الثقافة، وهنا أشير إلي "تغريبة بني حتحوت" التي صدرت في سلسلة "إبداعات التفرغ" عن المجلس الأعلي للثقافة، وأقترحت إصدار كتاب يجمع بين دفتيه الدراسات النقدية التي كتبت حول أعمال مجيد، فيرحب الوزير، ويضيف إن هيئة قصور الثقافة تعد الآن احتفالية لتكريم هذا الأديب ويطلب منه حضورها. ويمتد اللقاء لأكثر من ساعتين يتشعب فيهما الحديث إلي قضايا وذكريات قديمة تجعل الوزير يقول: "لا بد أن تتكرر هذه الجلسة كل فترة". ولا يغادر قبل أن يناشد، من خلالنا، أصدقاء مجيد في كل مكان ألا يتركوه وحيدًا.