د.آىه ماهر تناولت في المقال السابق قصصا مختلفة عن هموم ومعاناة الشباب الوظيفية لكي يستطيعوا أن يرسموا لأنفسهم مستقبلهم الوظيفي وتابعت في بعض الصحف الاجنبية علي مدار الخمس سنوات السابقة الاعلانات المختلفة لطلب الوظائف غير التقليدية. فوجدت أن العمل عن بعد أو ما يسمي أحيانا "العمل من المنزل" أصبح عليه طلب كبير جدا من فئة عريضة من الشباب أو الباحثين عن عمل بصفة عامة بسبب قلة الوظائف المعروضة في السوق لهم أو بسبب حاجة الشباب إلي وظائف إضافية لزيادة دخولهم بجانب وظائفهم التقليدية لكي يستطيعوا أن يلبوا متطلباتهم المعيشية، ويفضل الكثير من أصحاب الأعمال أيضا نظام العمل عن بعد بسبب عدم قدرتهم علي موافاة متطلبات التعيين الدائمة للأفراد من أجور وضمانات وظيفية من تأمينات ومعاشات ومزايا أخري بسبب قلة مواردهم المالية،وتشير بعض الدراسات أن حوالي 24 مليون موظف أمريكي يعملون الآن في أمريكا بنظام " التوظيف الذاتي" وحوالي 7 ملايين يعملون من المنزل أو بنظام العمل عن بعد في بعض الأعمال التي تتطلب تقديم الاستشارات القانونية أو الإدارية أو إعداد تقارير. ولقد بدأت فكرة العمل عن بعد في ولاية ألاسكا في القرن العشرين وساعدت تكنولوجيا المعلومات في انتشار هذه الظاهرة بسبب الظروف الجوية القاسية وظروف التنقل الصعبة، فلجأ الافراد لتخليص أغلب أعمالهم عبر اجتماعات الهاتف أو بمشاهدة بعضهم عبر الشاشات، وذاع هذا الاتجاه في بريطانيا وسويسرا وكندا بسبب تقلبات الطقس وزحام المدن أيضا، بينما في اليابان كان الدور التقليدي للمرأة اليابانية يستلزم تواجدها في المنزل، مما دعا الكثير من اليابانيات إلي التعاقد مع المصانع لإنتاج قطع مصنعة أو نصف مصنعة تباع إلي التجار أو المصانع. وقد كان الدافع الأساسي وراء فكرة العمل عن بعد في بعض دول أوروبا وأمريكا في السبعينيات كرد فعل للمقاطعة العربية لهذه الدول وارتفاع أسعار النفط لديهم حيث طالب الكثيرون بالعمل من المنزل لتقليل استهلاك النفط، أما الدافع وراء فكرة العمل عن بعد أو من المنزل في الثمانينات فكان بسبب الحد من التلوث البيئي وتوفير النفط، وأعتقد أن تطبيق العمل عن بعد دون النظر في أسباب المشاكل المهنية الأخري لا يكون الحل الاشمل ولكنه يحل جزءا من المشكلة القائمة، وأعرف الكثير من شبابنا في مجالات مختلفة في العمل التعليمي بالمدارس والجامعات، أو الاستشاري أو في المحاماة يتمنون لو تسمح لهم مؤسساتهم بالعمل من المنزل لبعض المهام التي يسمح لهم بذلك مثل كتابة التقارير أو عمل دراسة أو غيرها لكي يستطيعوا أن يقوموا بمهامهم الحياتية الأخري وينجزوا المهام المطلوبة منهم في وقت أقل دون المعاناة اليومية في زحام المواصلات ، وينطبق هذا الأمر أيضا علي بعض العاملين في مؤسساتنا الحكومية في مصر في بعض الأعمال التي لا يتم التعامل معها مع الجمهور حيث سيساهم هذا النظام إلي حد ما في حل مشكلة زحام المواصلات اليومية وأيضا التكدس بالمكاتب ويساهم هذا النظام أيضا في تحفيز العاملين علي إنجاز الأعمال في أوقاتها وبجودة أعلي مما سيكون له أثره الايجابي علي الأداء المؤسسي أما بالنسبة للقطاع الخاص فسيكون الأمر مجزيا لأصحاب الأعمال لأنه لا يضطرهم إلي تحمل نفقات العاملين الدائمين من أجور ومزايا وظيفية. فنظام العمل عن بعد قد يكون له مميزاته أيضا لشبابنا حيث يسمح لهم هذا النظام ببعض الزيادة في أجورهم لكي يعوضوا ضعف رواتبهم بوظائفهم التقليدية وقد يكون دافعا لهم لرفع تنافسيتهم ومهارتهم حيث يكون دائما مشروطا بمعدلات للإنتاج ومؤشرات للجودة وفي وقت محدد، كما أنه يسمح للمرأة بالعمل دون التقييد بمواعيد حضور وانصراف والخروج في زحام المواصلات مما يساعد المرأة لمزاولة دورها تجاه أسرتها ، ولكن من ضمن سلبياته أن موظف هذا النظام قد يفقد بعض المميزات الوظيفية الدائمة من التأمينات والمعاشات والإجازات المدفوعة، الأمر الذي يتطلب: 1- تنظيم بعض الضوابط من قبل الحكومة لكي تضمن حقوق الشباب العاملين بهذا النظام للضمانات الوظيفية 2- تشجيع الحكومة لشركات القطاع الخاص العاملة في نظام العمل عن بعد من خلال تقديم الدعم لهم في الملتقيات الوظيفية أو من خلال مدهم بقاعدة بيانات للشباب الراغب للعمل بهذا النظام. 3- دخول منظمات المجتمع المدني في ترويج فكرة العمل عن بعد للشباب من خلال عمليات التنسيق المستمرة بين الحكومة و أصحاب الأعمال والشباب الراغبين في العمل عن بعد. وللحديث بقية في موضوع مقترحات في المستقبل الوظيفي للشباب.