محمد على خىر ابتسم.. أنت الآن في مصر، لاتنشغل هما بالقانون أو بأحكام القضاء، فما عليك سوي أن يكون لك عدد كبير من الأنصار والمريدين، تحركهم كيف تشاء، في الشوارع والميادين، حتي تبث الرعب في قلوب خصومك، بما فيها بعض أجهزة الدولة المرتشعة. وحبذا لو كانت لديك بعض المنصات الإعلامية تطلقها علي الجميع، وأن يكون لك أتباعك من القائمين علي وسائل الاتصال والإعلام مثل البوابات والمواقع الاليكترونية والصحف والفضائيات، ويفضل أن يكون لديك جيش من المخبرين الإليكترونيين الذين يسبون خصومك علي الانترنت ويتعقبونهم إذا ذكروا اسمك بسوء، وأن تتمتع بفريق من المتصلين الدائمين بالبرامج الفضائية، عندما ستفعل ذلك ستكون ملء السمع والبصر، وسوف يخشي الاقتراب منك الجميع، وإذا فكرت - مجرد تفكير- بعض أجهزة الدولة أن تطبق القانون عليك، فماعليك سوي التلويح بحشد أنصارك في الميدان (أي ميدان) أو لحمايتك من تعقب مثل تلك الأجهزة. ممكن أضرب لك أمثلة تكشف لك عن حجم الالتباس الحاصل في الشارع وحياتنا الآن: 1-محكمة القضاء الإداري تنعقد للنظر في قضية جنسية والدة المرشح الرئاسي حازم أبو اسماعيل، لكن أنصار الأخير يحاصرون جنبات المحكمة بحشود يتجاوز عددها الخمسين ألفا، فماهي الرسالة التي يريد مرشح الرئاسة أن يبعث بها للمحكمة أو بقية سلطات الدولة، وماهو شعور القاضي (وهو انسان مثلي مثلك تماما ويتأثر بما حوله من أجواء) أثناء نظر القضية ومامدي تأثير تلك الحشود علي حكمه؟. 2-قرر مجلس الشعب بأكثريته الممثلة في حزب الحرية والعدالة اعتماد قانون عزل الفلول من نظام مبارك السابق وصدر القانون تحديدا فور ترشح عمر سليمان، وبعيدا عن اللغط الذي أثاره مشروع القانون من حيث توقيت صدوره ومدي دستوريته وانتقائيته، ورغم مايمتلكه حزب الحرية والعدالة من سيطرة علي البرلمان دفعته للقول بأن الشرعية للبرلمان وليس للميدان، الا أن جماعة الإخوان المسلمين قررت حشد أنصارها في ميدان التحرير بالقاهرة وبالإسكندرية لإخراج عمر سليمان من الترشيح، رغم اصدار الجماعة لقانون العزل، ورفضها مليونيات الميدان. 3-أصدرت المحكمة التي تنظر قضية موقعة الجمل قرارا بضبط وإحضار أحد المتهمين وهو المستشار مرتضي منصور، وفور وصول الإخطار الي أجهزة التنفيذ بالشرطة ومتابعتها لأماكن تواجد المتهم، وعندما جري تحديد موقعه، تظاهر أنصاره بالمئات واحتشدوا لاعاقة وصول قوات الشرطة لزعيمهم، مما سهل له الفرصة للهرب من أبواب خلفية. 4-أصدرت اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات الرئاسية قرارها باستبعاد عشرة من مرشحي الرئاسة وذكرت أسباب الاستبعاد ثم حددت (وفق قانون عملها) يومين للطعن علي قرار الاستبعاد أمامها، لكن عددا من المستبعدين رفضوا القرار ولوحوا بتسيير المظاهرات، مهددين بعدم حدوث خير بالبلاد إذا استمر قرار الاستبعاد، هكذا مرة واحدة، دون الامتثال والاحترام لأحكام وقرارات اللجنة التي ارتضاها مرشحو الرئاسة، بدلالة التقدم لها بأوراق الترشح. 5-عقب المجزرة الدموية التي راح ضحيتها عشرات الشهداء في أحداث ستاد بورسعيد وضغط الرأي العام، اجتمعت لجنة العقوبات باتحاد الكرة وأصدرت حكمها بتجميد نشاط نادي المصري البورسعيدي لمدة عامين، حلا للمأزق الكبير، لكن مجلس إدارة النادي الأهلي رفضت العقوبة وطلبت بضرورة نزول المصري الي الدرجة الثالثة أو شطبه (كده خبط لزق) ثم وجدنا عدداً من نواب البرلمان عن بورسعيد قرروا الاعتصام في مجلس الشعب إذا صدر قرار شطب النادي المصري أو انزاله لدرجة أقل، والمعتصمون هم النواب الذين يشرعون للشعب القوانين، لكنهم بهذا التصرف لايحترمون القانون وأحكامه. السؤال الآن:ما الذي دفعنا جميعا الي تلك الحالة رغم ثورة المصريين العظيمة التي أسقطت دولة الظلم لإقامة دولة العدل، والتي أساسها احترام أحكام القضاء وتنفيذها، لكن الحاصل أننا أصبحنا نعيش في غابة وليست دولة قانون والكل يريد اعداد قانون تفصيل علي مزاجه، وإذا استمرت الأحوال علي هذا المنوال فالمؤكد أننا في طريق النهاية، فإذا كنا خرجنا من عباءة حكم مبارك الذي كان يستهين بأحكام القضاء ولاينفذها، فإننا انتقلنا أيضا الي نفس الحال مع اتساع رقعة النافذين والمؤثرين الذين لايريدون إعمال دولة القانون، والمأساة أن من بين هؤلاء مرشحين للرئاسة ويريدون أن يختار الشعب أحدهم رئيسا للجمهورية، ومن بينهم نواب بالبرلمان وشخصيات عامة ورجال قانون ومحامون، حيث اختلط الحابل بالنابل، لكن لايمكن أن ننهي مانقوله دون الإشارة الي الاعتداء الذي طال العدالة المصرية في قضية التمويل الأجنبي، عندما تعدت السلطة بالبلاد وتدخلت في أحكام القضاء كي يصدر حكما بالافراج عن المتهمين الأمريكان وعودتهم الي بلادهم. وإذا كان هذا هو أداء السلطان فلا تلومن الرعية إذا سارت علي دربه، دولة العدل والقانون مهددة في مصر إذا لم ننتبه، وإلا الطوفان.