العودة إلي ما يقرب من »الانفجار السكاني« في العالم العربي ربع مليار نسمة علي الأقل يستند إليها مؤلف كتاب:»عندما تتصادم العوالم« في إقناعنا بأن استمرار »الإنفجار« مع سوء أداء اقتصادات الشرق الأوسط، سيؤديان إلي إطالة عمر »الإرهاب« و »الجماعات الإرهابية«، وقد تصبح أكثر جذباً للمخدوعين والمضلّلين. والخطر في رأي الكاتب »جين هيك« ليس مقصوراً علي البلدان العربية، وإنما يمتد لباقي الدول الإسلامية في قارات الدنيا الخمس. ويبرر المؤلف تخوفه بأن خُمس سكان الكرة الأرضية من المسلمين البالغ عددهم نحو1.2مليار نسمة، ونصفهم علي الأقل يعيشون في فقر مدقع، وهو ما يفسر سبب التوعك الاقتصادي والسخط السياسي المتفشيين حالياً وسط صفوف الشباب. يقدم الكتاب أمثلة لمسئولية »تدنّي المعيشة« عن انتشار التطرف الديني، مؤكداً أن »التنظيمات الإرهابية« علي رأسها: »حركة حماس« الفلسطينية، و»حزب الله« اللبناني الجنسية والإيراني الهوية دأبت علي استغلال الظروف الاقتصادية المتدنية، بمهارة شديدة، لتمارس أنشطتها كمنظمات شبه حكومية عينت نفسها بنفسها لتوفير المأوي والخدمات التعليمية والطبية والمساعدات المالية، للمحرومين والساخطين علي كل شيء وأي شيء.. لكسب ثقتهم، ثم الانضمام إلي الأرض الخصبة التي تبذر، وتنمو، فيها فلسفات العنف، والتطرف، وكراهية الآخرين. وحرص مؤلف الكتاب علي تكرار ما توصل إليه من نتائج دراساته الطويلة في الأديان السماوية، و تحليلاته المنطقية لظواهر الإرهاب خاصة تلك التي تتمسح في دين من الأديان، وتنسب إليه ما لا صلة له بها. أشار الكاتب »جين هيك« في الصفحات الأخيرة لكتابه الممتع، إلي مفارقة غريبة تقول : [ إن معظم المسلمين في الوقت الراهن ليسوا أصوليين. ومعظم الأصوليين ليسوا إرهابيين. ومعظم الإرهابيين الحاليين مسلمون أصوليون غير متسامحين، ويفخرون بتقديم أنفسهم علي هذا النحو. ومن ثم فإنه بينما يشكو المسلمون الملتزمون بحقائق دينهم السمح من أجهزة الإعلام الغربية التي دأبت علي وصف الجماعات الإرهابية بأنها إسلامية، في حين أنها أي تلك الأجهزة لا تُعرّف جماعات »الباسك«، و »الصرب« المشابهين بأنهم مسيحيون، كما لا تُعرّف العبريين المتطرفين بأنهم يهود، نفاجأ بأن الجماعات الإرهابية الأولي تتباهي بربط إرهابها وجرائمها بالدين »الإسلامي« وتتمسك به رغم اعتراض معظم المسلمين الحقيقيين]. وأعجبني أيضاً ما أكده الكاتب في فقرة أخري، وتالية، قائلاً: [إن الأمر المذهل بشأن الإرهاب الذي يوصف زيفاً بأنه إسلامي هو أنه رمزي دائماً وتقريباً، كما يتم تنفيذه بطرق دراماتيكية حتي يكون جاذباً للقنوات التليفزيونية، مثل قناة »الجزيرة« القطرية، التي أعطت تفسيراً محرفاً غير عادي لممارسة الإرهاب، مما جعل بالإمكان الإعلان من الموقع الإلكتروني شبه الفوري عن الأعمال البربرية المنحرفة كأخبار وأحداث لها الأولوية المطلقة، وهو ما كان ولا يزال تنظيم »القاعدة« يزهو، ويتباهي، بها]. وهذا »الإعلام المنحرف« يلقي كما قرأت في كتاب:»عندما تتصادم العوالم« نفوراً شديداً من المسلمين المعتدلين والحقيقيين، ومنهم من وجّه نفوره وغضبه إلي هؤلاء الذين يهللون لتلك الهجمات، والذين يقومون بتغطيتها و نقلها إعلامياً. الشكوي مبررة ومنطقية. فإرهابي مثل »بن لادن« يقدم للعالم تحديداً مزيفاً لصورة الإسلام، في حين أن الأغلبية الإسلامية المعتدلة تكتفي بالشكوي من الإعلام العالمي الذي دأب علي ربط الإسلام بالإرهاب والإرهابيين ، وكان عليها أي الغالبية الإسلامية المعتدلة أن تستخدم إمكانياتها الهائلة في كشف الزيف، وتحديد الصورة الحقيقية للدين الإسلامي، في عيون العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو: »هل هؤلاء الإرهابيون النرجسيون، يمثلون خطراً حقيقياً للمدنية كما تعرفها البشرية؟!«. ورداً علي السؤال البسيط، عادة ما تظهر إجابات مفرطة في بساطتها هي أيضاً، و مضللة في الوقت نفسه. ويعدد كتاب »عندما تتصادم العوالم« نماذج من تلك الإجابات غير المباشرة، وأبرزها يقول: [إن الكثيرين في الشرق المسلم جرت تنشئتهم علي النظر إلي الغرب المسيحي علي أنه عدو للإسلام، ولا يمكن التصالح معه (..). كما جري تعليمهم في الوقت ذاته أنه لابد من القضاء علي أعداء الإسلام. ومن ثم أصبح الكثير من الإرهابيين المفترضين وليس كلهم معادين، و خطرين، ليس لأن الغرب بحاجة إلي عدو موجود في كل مكان، ولكن لأنهم هم الذين بحاجة إلي ذلك، إذ إنهم باتوا مشغولين بمهاجمة من يتصورونهم » أعداء الإسلام« ، أكثر من انشغالهم بتحديد وعرض الصورة النبيلة التاريخية للدين الإسلامي]. .. و أواصل غداً.