في الفصل الثامن من كتاب: »عندما تتصادم العوالم« لمؤلفه الخبير الاقتصادي »جين هيك« الذي عمل طويلاً في العديد من الدول الإسلامية، والعربية قرأت الكثير عما وصفه ب: »الأصول الاقتصادية للإرهاب«. يقول المؤلف: [إن أصول ما يسمي :»الإرهاب الإسلامي« لا تكمن في الدين بقدر ما تكمن في الأبعاد السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي الحديث حيث الفقر الشديد وعدم المساواة الاقتصادية والإحباط المستمر نتيجة لما يبدو عجزاً عن تصحيحهما وإذا أخذنا ذلك في الاعتبار فمن الممكن للأعمال السياسية والاقتصادية المنحرفة أن تبذر الإرهاب الذي سرعان ماتنمو جذوره في التربة الخصبة]. في التسعينيات كان متوسط زيادة دخل الفرد الحقيقي في الدول العربية 22دولة أقل من 1٪ أي تقريباً ربع معدل زيادة سكانها خلال نفس الفترة. نتيجة ذلك تتجه مستويات المعيشة في العالم الإسلامي إلي أن تكون قريبة بمثيلاتها في أفريقيا. ومع تآكل الطبقة الوسطي الحاجز بين الأغنياء والفقراء يتعرض جيل كامل من الشباب الغاضبين، العاطلين، المحرومين من حقوق المواطنة، لإغراءات الجماعات المتطرفة. ويضيف الكاتب مشيراً إلي أن ظروف المعيشة المتقشفة في بلدان الشرق الأوسط غالباً ما تزداد تعقيداً نتيجة الاقتصاديات المركزية التي تتحكم فيها الدولة وتُشعر كثيرين بأنهم مستبعدون من فوائد الثروة الاقتصادية القومية، ومحرومون بالتالي من الفرص التي توفرها، في سعيهم من أجل ما يُعرف في العالم الغربي ب »الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة«، وغيرها من حقوق المواطنة التي يرونها في بلادهم مقصورة، محجوزة، لقلة مميزة. ويأتي كتاب »عندما تتصادم العوالم« بأرقام اقتصادية مهمة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، و دول شمال أفريقيا معها، وتقول: الزيادة الضخمة في عدد السكان مستمرة. فقد كان عدد سكان المنطقة 112مليوناً في عام 1950، والآن يتجاوز عددهم أكثر من415 مليوناً بزيادة تقترب من أربعة أضعاف. وينتظر أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام2050ليصبح 833 مليون نسمة. زاد عدد الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والأربعة والعشرين وهم يمثلون الفئة التي تدخل سوق العمل والمجتمع السياسي من 10 ملايين في عام 1950 إلي 36مليون شخص حالياً، وسوف يواصل العدد الزيادة ليصل إلي 56مليوناً بحلول عام 2050 نحو 36٪ من عدد سكان المنطقة دون الخامسة عشرة من العمر، مقابل 21٪ في الولاياتالمتحدة، و16٪ في الاتحاد الأوروبي. كذلك فإن نسبة المعالين لكل رجل عامل وامرأة عاملة في منطقتنا أكبر ثلاث مرات مما في منطقة مثل أوروبا. الفشل في تحقيق القدرة التنافسية العالمية، و تنويع الاقتصاد، و خلق فرص العمل، هي أيضاً ظواهر أُبتليت بها المنطقة، حيث إن معدلات البطالة المباشرة والمقنعة تتراوح بين 12و20 بالمائة في العديد من بلدان المنطقة. و يتوقع البنك الدولي زيادة قوة العمل الإقليمية بما لا يقل عن 3 بالمائة سنوياً في العقد المقبل. ما يزال متوسط دخل الفرد في المنطقة هو 2300 دولار مقابل 26 ألف دولار في الدول ذات الدخل المرتفع في الغرب. ينعكس الهبوط المطرد في الصادرات العربية غير البترولية كنسبة من التجارة العالمية وعلي امتداد نصف قرن تقريباً ينعكس علي نمط مواز للهبوط في إجمالي الناتج المحلي الإقليمي باعتباره جزءاً من نظيره العالمي. التحضر المفرط ، و الانخفاض المستمر، الذي دام نصف قرن ، في المهن الزراعية والتقليدية يفرض في الوقت نفسه مستويات مرتفعة من الضغط العصبي علي شبكات الأمان التقليدية. كان عدد سكان المدن في المنطقة أقل من 15مليوناً في عام 1950، فازداد العدد إلي 84 مليوناً في عام 1980 ليصل في الوقت الحاضر إلي 173مليون نسمة. يستنتج الباحث الاقتصادي »جين هيك« من هذه الأرقام الموثقة، وغيرها، أن فجوة »الفقراء مقابل الأغنياء« تزداد إتساعاً في أنحاء منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً في الوقت نفسه أن التوسع في التطرف الديني جاء نتيجة أساسية لتصوّر الشارع لهذا التفاوت الكبير في توزيع الثروة. ويري الكاتب أنه كان من الأفضل أن يأتي الرد من الحكومات علي إحباط الشباب الساخطين بضخ الأموال اللازمة للإصلاحات الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، وزيادة دخل المواطن، بدلاً من صرفها في تكلفة تشجيع إشراك الشباب في »الجهاد« الخارجي الذي سرعان ما تكشفت خفاياه، و تعرية أهداف القائمين علي زرعه، وحصده، وتوزيعه. .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]