لا يمكن ان تكون هناك نهضة اقتصادية علي اسس سليمة دون وجود قاعدة صناعية متينة ومتقدمة. إن الانتاج الصناعي هو الوسيلة الوحيدة لضمان سد احتياجات الاستهلاك المحلي بالاضافة إلي توافر حصة معقولة للتصدير تساهم في زيادة دخلنا من العملات الحرة لتمويل ما نحتاجه من واردات سواء كانت سلع وسيطة أو رأسمالية أو أي سلع اخري. من جانب آخر فلا جدال ان المشروعات الصناعية سواء كانت صغيرة أو كبيرة تعد السبيل الوحيد لمواجهة توحش البطالة وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية من خلال خلق فرص عمل جديدة. ليس خافيا أن الدولة كانت قد تخلت عن واجبها في تشجيع المشروعات الصناعية وهو ما أدي إلي أن تسود المجتمع نزعة الابتعاد عن الاستثمار في الصناعة تجنبا للاعباء والمشاكل التي اصبحت سمة التعامل مع هذا النشاط. يتجسد هذا الموقف السلبي من جانب الدولة تجاه الصناعة في وضع العراقيل والاعباء علي استيراد مستلزمات الانتاج. ورغم الشكوي من هذا الموقف السلبي فأن أحدا في الدولة لم يستجب لايجاد حلول لها سوي في الفترة الاخيرة وبصورة غير كاملة. وليس خافيا ان الرأي العام لم يتعاطف مع هذه الشكاوي بالصورة الواجبة نتيجة ما استشعروه من لجوء بعض اصحاب المشروعات الصناعية الي الجنوح الي الاحتكار والاستغلال الذي كانوا ضحيته. ويبدو أن القيادة السياسية العليا قد تنبهت أخيرا لاهمية الصناعة ودورها في التشغيل ومحاصرة البطالة خاصة في ظل الجهود الملموسة التي يقوم بها المهندس رشيد محمد رشيد لمساندة المشروعات الصناعية وزيادة التصدير. تجسد ذلك بصورة ايجابية فيما أعلنه الرئيس مبارك بمناسبة افتتاح عدد من المشروعات الانتاجية في محافظة بني سويف عندما اعطي الضوء الاخضر لاهمية المضي في دعم قاعدة الصناعة من خلال التوسع في الاستثمار بمشروعاتها. قال الرئيس ان الصناعة هي القاطرة القوية للنمو الاقتصادي والتصدي للبطالة. طالب بضرورة جذب الاستثمارات المحلية والاجنبية لتمويل المشروعات الصناعية. طالب بأن تعمل اجهزة الدولة المسئولة علي زيادة معدل النمو الصناعي بنسبة لاتقل عن 8٪. اشار الي أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق هذا الهدف. بالطبع فإن نجاح هذه السياسة انما يعتمد علي مدي ما تقدمه الدولة من تسهيلات وحوافز للمشروعات الصناعية علي اساس اقناع المستثمرين بأن عائدها الاقتصادي بالنسبة لهم يزيد علي عائد الانشطة الاخري التي ترفع معظمها شعار اخطف واجري . مثل هذه الانشطة لا تخدم الاقتصاد الوطني بالحجم المطلوب ولا تحقق الامن الاقتصادي للوطن انها تعتمد علي تعظيم الاستيراد وتخفيض معدلات التصدير. وكرد فعل لما جاء في خطاب الرئيس دعا الدكتور احمد نظيف رئيس الوزراء إلي اجتماع وزاري لبحث خطوات التحرك علي هذا الطريق ومتطلبات تفعيلها. ليس جديدا القول بأن مثل هذه المبادرة لا يمكن ان تحقق ماهو مطلوب منها دون التعاون والتنسيق بين كل الوزارات والاجهزة التي يتصل عملها بالنشاط الصناعي وانتاجه. من جانب آخر فإن ضمان قيام هذه النهضة الصناعية علي اسس سليمة يحتاج الي عمالة مدربة وهو الامر الذي يجب ان تستعد له الاجهزة المعنية ببرامج تدريب واسعة تشمل التكنولوجيا الحديثة واكتساب المهارات اللازمة. التوصل الي معادلة سليمة في هذا المجال بما يخدم مستقبل الصناعة والتصنيع في مصر يتطلب تطويرا شاملا للتعليم الفني من أجل توفير العمالة اللازمة للعمل في المصانع الجديدة. ان استهداف الارتفاع بمعدلات التصنيع علي اسس اقتصادية لا يمكن أن يقتصر علي التصريحات والحماس والنية الحسنة فقط ولكن يجب أن يستند الي منظومة عمل تتسم بجدية وامكانية تحمل مسئوليتها.