فى حارة بحي الحسين بالقاهرة يكاد يكون مدخلها لا يسمح سوى بعبور المارة من شدة الضيق والزحام، عند التجول بين أرصفتها تشعر وكأن الزمن عاد بك الى الوراء من خلال إعلانات لمنتجات لم تعد موجودة فى وقتنا الحالي. على جانب من الحارة تجد "عشة" صغيرة سقفها مبطن ب"الكراتين" المتأكلة من شدة الحرارة والتى يستظل اسفلها عدد من الاطفال الصغار المتوسط اعمارهم بين 7-13 عاما .. هؤلاء الاطفال كم تمنوا أن يلعبوا بالنوادي الرياضية الكبرى، كم تمنوا إمتلاك حاسوب فى بيتهم.. كم تمنوا وسائل ترفيهية فى مدارسهم.. ولكن فقر الحال كان لهم بالمرصاد. لم يستسلموا لحالتهم المعيشية ..فأرادوا حياة تختلف عن واقعهم المرير حتى ولو كانت من نسيج الخيال، برائتهم تقودهم لتمرد من نوع خاص من خلال انغماسهم فى ألعاب "البلاي ستيشن" ذلك الجهاز الذي يأخذهم الى عالم اخر وأماكن اخرى.. فى نظرهم عالم هم يتحكمون فيه وغير مجبرين عليه بمجرد الضغط على "ذراع التحكم" الذي لا يفارق أيديهم ..أما الخاسر فيعود الى أرض الواقع وكأن وقت اللعب حلم جميل سلب عقله دقائق معدودة. بدأ محمد -صاحب الجهاز- كلامه قائلا "أنا عملت المشروع علشان أزود دخلى، الأول كان عندى جهازين لكن لما أتفتح السايبر فى أول الشارع قل عدد الأطفال اللى بيجولى وبقى عندى جهاز واحد بس". ذهبنا الى أول الشارع وجدنا أن نصف أطفال الحارة بداخلها والنصف الآخر داخل العشة، وكل مجموعة تشجع لاعب وكأنها مباراة بين قطبي الكرة المصرية "الاهلى والزمالك". قال واحد منهم يدعى ياسر صلاح-12- "بحب أللعب بلاي ستيشن كل يوم مع صحابي فى الشارع.. ونفسي بابا يشتريلى واحد بس بيقولى مش معايا فلوس". الى جانبه ، الطفل احمد وجدي الذي توقع لنفسه الفوز على صديقه الا انه خسر "الجيم" فما كان منه سوى ان يبكي حرقة الهزيمة، متوعدا زميله بغد يوم جديد يكون هو الفائز. تحدثنا مع سيدة مسنة فى محل صغير للحلوى، قائلا "الناس بتاكل من الموضوع ده عيش, مش أحسن ما يسرقوا أو يشحتوا! وأدي العيال الغلابه بتنبسط، أحسن من اللعب فى الشارع". فى الحارة إلتقينا بصاحب "سيبر" بداخله سبعة أجهزة على كل جهاز طفلين، والأطفال يلعبون وكأنهم فاقدي الوعى ..لم يلاحظوا حتى دخولنا وربما لم يركزوا فى اصواتنا. ويقول الشاب صاحب المكان" مفيش مشروع تانى ممكن أعمله، المشروع ده سهل و مكسبه مضمون". سألنا "عم جمال" -بائع الكبده- عن رأيه فقال " العيال معذورة لازم يلعبوا، تأجير ملعب الكورة اللى فى أول الحارة بعشرين جنيه فى الساعة، يعنى يدفعوا عشرين جنيه ..ولاجنيه واحد ويلعبوا فى السايبر!". قاطعه صبي صغير -يأكل بجوار عربة الكبدة- قائلا"ده فيه ناس مش لاقيه تاكل و قاعده طول اليوم فى السايبر" . وواصل "عم جمال" حديثه قائلا " أنا الأول كنت مدمن انترنت,كنت بقضى ساعات قدامه,لحد لما نظرى ضعف وما بقتش عارف أركز فى شغل ولا فى أى حاجه فقررت أبطل ".