من بين صور الفوضي المتعددة في الشارع المصري قفزت إلي السطح في الفترة الأخيرة ظاهرة غريبة، وهي إصرار الكثير من المارة والمشاة علي السير في قلب الشارع وعبور الطريق من أي مكان وعدم الاستجابة لأي (كلاكسات) من السائقين تطالبهم بإفساح الطريق أو حتي أخد يمين لكنهم يرفضون ولسان حالهم يقول: لو راجل اخبطني"!! المشاة يبررون ذلك باحتلال الباعة الجائلين للأرصفة، وعدم التعود علي استخدام المشاة أو الكباري العلوية، والرغبة في اللحاق بالمواصلات خاصة الميكروباص، رافضين الاعتراف بأن ذلك من الممكن أن يعرضهم للحوادث، قائلين: "خليها علي الله"! في البداية، يقول محمود عزيز سائق تاكسي- أن قيادة السيارات تعتبر في وجهة نظره "أصعب مهنة في مصر" شارحا أن كل الأطراف مسئولة عن ذلك، فالطرق غير ممهدة، والمطبات العشوائية تدمر السيارة كما أن سائقي السيارات الأخري يقودون بتهور وكأن كل واحد "الطريق بتاعه لوحده" أما أصعب الأطراف هم المشاة الذين يسيرون في وسط الطريق ويعبرون الشارع من أي مكان بصورة مفاجئة تربك السائق دون مراعاة للإشارات، ويختتم قائلا: هل أركز مع أكل عيشي أم السيارات التي (تكسر) عليّ أم المارة؟ ويضيف د. وائل إبراهيم صيدلي- أن كثيرا من المارة يحرصون علي السير في نهر الطريق، ولا يستجيبون حتي للكلاكسات التي يطلقها أصحاب السيارات، وهو ما يعد صورة صارخة من صور الإهمال والفوضي واللامبالاة، ويؤدي إلي تشويه المنظر الحضاري للشارع المصري، ويعطي صورة سيئة عن سلوكياتنا أمام السياح. ويلتقط طرف الحديث خالد حسين سائق ملاكي- متعجبا من سير المشاة في "نص الشارع" وليس علي الرصيف أو حتي علي جانب الطريق، بل انه يجزم أن المارة يقتطعون أكثر من حارتين، ويتركون السيارات "تضرب تقلب" في بقية الشارع، فإذا أضفنا إلي ذلك الانتظار صف ثان وثالث، والباعة الجائلين.. فهل نطير بالسيارات.. بعدما ضاقت بنا الأرض؟! أما أيمن مصطفي سائق نصف نقل- فيكمل: حتي الطرق السريعة لا تخلو من مارة مسرعين يهرولون لعبور الطريق رغم وجود أنفاق أو كباري علوية، مما يعرضنا لخطر الحوادث، ووقتها لا يلتفت أحد للمخطيء، إنما يمسك الناس في "رقبة السواق". خاف علي نفسك! "لو مش خايف علي روحه.. يخاف علي أكل عيشي".. هكذا يشكو عاطف عبد الكريم سائق ميكروباص- مما يسميه "دلع" المشاة الذين يتباطأون أمام السيارات حتي لو كادت تصطدمهم، لثقتهم الشديدة في أن السائق "خايف عليه أكتر من نفسه"، وأنه في حالة وقوع حادثة -لا قدر الله- يدخل السائق في مشاكل لا حصر لها أكبرها حبسه وأخفها "وقف حاله" وقطع عيشه لاسبوع علي الأقل، ما بين المحاضر وأقسام الشرطة والنيابات، حتي لو كان بريئا. "استبياع".. بهذه الكلمة الواحدة الملخصة الموجزة يعبر شريف سيد - تاجر أخشاب- عن هذه الحالة، مؤكدا أن الظروف الاقتصادية الصعبة، والمسئوليات الكبيرة الملقاة علي عاتق الأسرة المصرية، تجعل الناس مهمومة وغير مهتمة بالحفاظ علي حياتها أو مصلحتها أو مصلحة الغير! أما أطرف الآراء، وأكثرها إثارة، فجاءت علي لسان عبد الله سيد سائق تاكسي- الذي طالب بتوقيع غرامات فورية علي المشاة الذين لا يلتزمون بالعبور من الأماكن المخصصة لعبور المشاة أو في الإشارات، ويحتلون الشوارع، ويسيرون في وسط الطريق ويمنعون السائقين من القيادة الآمنة! ويستطرد شارحا اقتراحه: لماذا يتعرض السائق للغرامات إذا أخطأ، بينما خطأ المشاة لا يواجه بأية عقوبة؟! توفير بديل : علي الجانب الآخر، لخص المشاة مشاكلهم في احتلال الباعة الجائلين للأرصفة، وصعوبة الوصول إلي الأنفاق وكباري المشاة فضلا عن الاضطرار للوقوف في قلب الشارع لركوب الميكروباص الذي يقف في أي مكان. يقول محمد عبد المنعم موظف- إن الأرصفة غير موجودة أو يحتلها الباعة الجائلون بحيث لا تسمح لنا باستخدامها، ويكون البديل تعرضنا للخطر بالمشي في قلب الشارع، لكنه يستدرك قائلا انه سيكرر ذلك رغم خطورته لأن الحوادث "قضاء وقدر"! أما كريمة متولي ربة منزل- فتقول بتلقائية: إيه اللي رماك علي المر".. وتضيف لا يوجد مكان نسير فيه، والأنفاق تشكل مشقة كبيرة علي كبار السن في النزول أو الطلوع، بينما يوضح إيهاب حنفي مدرس- أن الوقوف في وسط الطريق سببه الأساسي ركوب المواصلات، واللحاق بكرسي في الميكروباص قبل الزحام. ويعترف هيثم عادل طالب- أن الرصيف أحيانا يكون خاليا، إلا أننا نسير في قلب الطريق بحكم التعود والكسل وعدم الرغبة في تحمل مجهود إضافي باستخدام الأنفاق أو الكباري العلوية، ويكمل زميله علاء إبراهيم أن المرور في مصر بطيء، وبالتالي سرعة السيارات ليست كبيرة، و"مفيش مشكلة" من السير وسط الشارع! قانون.. وآداب : من جانبه علق مصدر مروري رفض نشر اسمه- بأن الإدارة العامة للمرور بالتنسيق مع بقية الجهات والأفرع، لا تدخر جهدا لتحقيق الانضباط والسيولة في الشارع، سواء بالنسبة للمركبات أو الأفراد وذلك عن طريق عدة إجراءات منها تحديد حارات مخصصة للنقل الجماعي للتيسير علي الركاب دون تعطيل الطريق، فضلا عن تنظيم عبور المشاة للطريق من أماكنها المحددة خاصة في الميادين الكبري مشيرا إلي أن التزام الطرفين؛ السائق والماشي بقواعد المرور يحقق الانضباط المأمول. ونوه المصدر نفسه إلي ضرورة التفرقة بين قانون المرور بمواده الواضحة التي تحدد عقوبات معينة للمخالفات وهذا كفيل بتطبيقه رجال المرور، وبين مفهوم أوسع يتعلق بآداب المرور، ويعني بالسلوكيات والأخلاقيات القويمة التي يجب أن تسود في الشارع، وهذا يحتاج إلي وعي مجتمعي وتضافر للجهود للارتقاء بالسلوك العام حتي نعكس الوجه الحضاري الراقي للمصريين.